&عبدالله بن بخيت

ذاع بين الناس أن محركات البحث، وعلى رأسها «جوجل» ساوت بين المثقف والجاهل، كما ساوى المسدس بين الشجاع والجبان على حد تعبير مخترعه. &

تستطيع اليوم أن تضع ما تطلبه من معلومة على شريط محرك البحث، وفي جزء من الثانية تصلك المعلومة من مصادر متعددة في أي موضوع تشاء. هذا صحيح. خدمة لا تقدر بثمن. قفزت بالإنسانية سنوات كثيرة إلى الأمام، وما زالت واعدة بمزيد من القفزات، لكن بعض الناس لا يرى الاعتماد عليها كمصدر علمي عندما يكون الموضوع جديا. ليس من الحصافة أن يتطبب الإنسان بدواء عرف عنه في الإنترنت. للأكاديميين الرأي نفسه. لا يمكن للباحث أن يضمن بحثه استشهادا حصل عليه من موقع على النت.

في الأمور العامة يمكن أن يستفيد الإنسان من هكذا معلومات. البحث عن حجز طائرة أو عنوان شركة أو عاصمة فنزويلا أو سعر جهاز جوال أو كيف تركب صنبور ماء.. إلخ. &يقدم محرك البحث أيضا ما تحتاج إليه من معلومة عاجلة في جلسة إخوانية. متى اندلعت الحرب العالمية الثانية، أو متى تأسس نادي الهلال أو برشلونة. معلومات لا تتطلب تمحيصا. الخطأ فيها لا يكلف كثيرا. &

في لحظة ما أثناء كتابة مقالة أو إعداد خطبة أو حتى في جلسة مع أصدقاء طرأ على بالك أن تستشهد ببيت شعر قاله حسان بن ثابت. ستستدني جوالك وتبحث بأن تضع اسم حسان بن ثابت في الشريط، وربما تدخل اسم القصيدة التي تظن أن بيت الاستشهاد فيها. في ثوان ستحصل على البيت، وشرح ألفاظه، ومناسبة قوله، إلى آخر الأمور المتعلقة به.

البحث عن بيت حسان بن ثابت الشعري اختلف جذريا عن بحوثنا السابقة. لا يمكن أن يطرأ على بالك أن تستشهد ببيت لحسان بن ثابت دون أن تكون على علم بحسان بن ثابت من قبل، ودون أن تكون مطلعا على القصيدة أو البيت الشعري موضع البحث. الشيء نفسه في معلومات هذا النوع من المعرفة. لا يمكن أن تفكر في الاستشهاد بطقس من طقوس حضارة المايا دون أن تكون على علم بهذه الحضارة وبرموزها وطقوسها. ثقافتك تكمن في المعرفة المسبقة. قرأت أعمال حسان بن ثابت، وقرأت عن حضارات أمريكا الجنوبية. «جوجل» في هذه الحالة ليس سوى سكرتير. تطلب منه إحضار الملف الفلاني.

لن يغني «جوجل» عن القراءة والاطلاع وملاحقة المعرفة. محركات البحث لا تساوي بين المثقف والجاهل كما ساوى المسدس بين الشجاع والجبان. الجاهل يبقى جاهلا.