& صالح القلاب

&

مع أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد تسلم رسالة من السلطان قابوس، حملها إليه المستشار سالم بن حبيب العميري بعد يومين من زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى مسقط، فإنه لا بد من الإشارة إلى أن وزير الخارجية العُماني يوسف بن علوي كان قد نفى أن هناك وساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأن كل ما في الأمر هو مجرد أفكار تم طرحها على الطرفين للتداول فيها حول «صفقة القرن» التي تحدث عنها الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وأجرى عليها تعديلات أساسية، وأشار إلى أنها ستطرح على الطرفين قبل نهاية هذا العام.&
ومع أن مقربين من «أبو مازن» قد نفوا علمه المسبق بهذه الزيارة، فإنّ هناك قناعات وتقديرات بأن واشنطن هي التي كانت وراءها، حيث قال بنيامين نتنياهو في بيان رسمي نشره موقع صحيفة «هآرتس» الإلكتروني، إن زيارته إلى عُمان تمت بعد محادثات ومشاورات جرت بين الدولتين خلال فترة طويلة.


وأضاف نتنياهو حسب هذا الموقع، أنه ناقش مع السلطان قابوس سبل التقدم في عملية السلام في الشرق الأوسط، وأنه تناقش معه حول الموضوعات التي تهم البلدين من أجل التوصل إلى السلام والاستقرار في هذه المنطقة. وقد نوه موقع «YNET» هذا إلى أنه لم يتم التطرق بشكل واضح ومنفرد إلى السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ما يعزز التفكير بأن ما تريده إسرائيل هو سلام مع الدول العربية، وليس مع الشعب الفلسطيني... ويقيناً أن هذا مستبعد جدا بالنسبة للدولة العُمانية التي مثلها مثل غيرها من العرب ودول الخليج العربي لا يمكن أن تقبل بغير أن يكون هناك حلٌّ للقضية الفلسطينية على أساس صيغة الدولتين وقيام دولة فلسطين المستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
وبالطبع فإن هذا الموقع التابع لصحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية قد ذهب بعيدا في تضخيم زيارة نتنياهو إلى مسقط، وهو قد نوّه أن هذه الزيارة جاءت بعد زيارة مماثلة كان قام بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس «أبو مازن» إلى سلطنة عُمان، ومع الإشارة إلى أن هاتين الزيارتين نادرتان، وأن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي هذه هي الأولى من نوعها منذ العام 1996.


وهنا، فإن الموقع نفسه قد أشار إلى أن المبعوث الرئاسي الأميركي لعملية السلام في الشرق الأوسط جيسيون&غرينبلات قد نشر «تغريدة» على موقع «توتير» أكد فيها أن زيارة نتنياهو هذه تشكل خطوة داعمة لجهود السلام الأميركية في «المنطقة»، وأنه سلام سيؤسس للاستقرار والأمن والازدهار بين الإسرائيليين وبين الفلسطينيين و«جيرانهم»، معرباً (أي غرينبلات) عن أمله في أن تُعقد في المستقبل القريب لقاءات أخرى مماثلة.
فماذا يعني هذا؟ إنه يعني كما يقول بعض كبار المسؤولين الفلسطينيين من دون أي تأكيد، وأيضا من دون أي ارتياح أو تفاؤل، أنه فعلاً في إطار جهود الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس دونالد ترمب لإعادة عجلة المفاوضات بين الطرف الفلسطيني والطرف الإسرائيلي، قد بادرت واشنطن إلى إقناع سلطنة عُمان بالقيام بخطوات تطبيع مع الإسرائيليين، مع الإشارة هنا كما جاء في هذا الموقع الآنف الذكر، إلى أن مسقط كانت قد وافقت على مثل هذا الاقتراح في حال وافقت إسرائيل على وقف الاستيطان في الضفة الغربية.


ولعل ما تجدر الإشارة إليه، ونحن نتحدث عن مستجدات الموقف الأميركي تجاه الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، هو أن هناك من يعتبر أن بصيص أمل فعلي قد لاح في اتجاه إمكانية استئناف المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، حيث نُقل عن دونالد ترمب أنه قد قال للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه مستعد لمعاملة رئيس الوزراء الإسرائيلي بالقسوة نفسها التي تعامل بها مع الفلسطينيين في سبيل تحقيق السلام في الشرق الأوسط، ولعل ما يعزز هذا التوجه أنه قد نُسب إلى الرئيس الأميركي أيضا أنه قال قبل نحو 3 أشهر إن إسرائيل ستدفع ثمناً أعلى في المفاوضات المستقبلية مع الفلسطينيين، مقابل اعترافه بالقدس عاصمة إسرائيلية... وعليه فإن الفلسطينيين سيحصلون «على شيء جيد جداً».
والمشكلة هنا بالنسبة للإدارة الأميركية أن كلام الليل يمحوه النهار، وأنها مترددة ولا يثبت على أي موقف، وحقيقة... إن هذا يجعل الفلسطينيين، ومعهم العرب وكل من يساندهم ويدعم قضيتهم في العالم بأسره، لا يثقون على الإطلاق بما بها، ولعل ما عزز القناعات الفلسطينية هذه أن بنيامين نتنياهو، المستند إلى موقف «الإنجيليين» الأميركيين، قال بكل وقاحة رداً على ما يعتبر تحولا في مواقف واشنطن بالنسبة لحل القضية الفلسطينية إنه على استعداد لمنحهم، أي الفلسطينيين «أقل من دولة وأكثر من حكم ذاتي». وهذا قد رد عليه الناطق الرسمي الفلسطيني بالقول إنه لا سلام ولا أمن دون قيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.


وحقيقة... رغم «ظلامية» وغير وضوح كل ما يقال وما يتردد الآن عن مبادرات «إيجابية» لحل القضية الفلسطينية، فإن ما لا يمكن إنكاره هو أن هناك تحولات ملموسة في مواقف معظم الدول الكبرى الفاعلة تجاه هذه القضية، وأن هناك تحولات لا يجوز إهمالها، حتى بعض الأوساط اليهودية، في الولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية، ولعل ما تجدر الإشارة إليه في هذا المجال أن هناك من يقول إن رئيس المؤتمر اليهودي العالمي رونالد لاودر قد أجرى اتصالات عبر وسيط من أصل فلسطيني مع «أبو مازن»، وأنه قد اختلف مع جاريد كوشنر بالنسبة لما دأب هذا على ترويجه وسعى لإقناع الفلسطينيين به من حلول للقضية الفلسطينية كما أنه، أي لاودر، قد رفض، كما يقال، استقبال رسالة يقال إن ترمب كان وجّهها إليه تتعلق بهذه القضية.


في كل الأحوال، إنه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار ما أخذه المجلس المركزي الفلسطيني من قرارات حاسمة في اجتماعه الأخير في رام الله، على صعيد كل ما يُطرح أميركياً وإسرائيلياً وأوروبياً بالنسبة لحل القضية الفلسطينية. أما بالنسبة للأوضاع التنظيمية الداخلية فقد باتت هناك قناعة راسخة بأن جهود المصالحة مع حركة حماس وأيضا مع حركة الجهاد الإسلامي قد باءت كلها بالفشل، وأن هذين التنظيمين اللذين باتا يسيطران على قطاع غزة يُنفذان «أجندة» إيرانية سورية، وأنهما قد وفرا منذ عام 2007 للإسرائيليين الحجج التي يريدونها للتملص من عملية السلام، والقول إنهم لا يعرفون مع أي جهة فلسطينية يتفقون، هل مع منظمة التحرير أم مع الذين باتوا يسيطرون على «القطاع» ويقيمون فيه دولتهم الخاصة؟!
ولعل ما أضاف إلى هذا «الإزعاج» إزعاجاً جديداً أن التنظيمين الرئيسيين اللذين بقيا يشاركان حركة «فتح» في المسيرة الفلسطينية، من خلال منظمة التحرير، وكل أطرها الأخرى، وهما الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية، قد تملصا من حضور اجتماعات المجلس المركزي الأخير، لا... بل إنهما كما يقال ويتردد قد «جمّدا» عضويتهما في كل الأطر الشرعية الفلسطينية، ما جعل الرئيس محمود عباس «أبو مازن» يبدو وكأنه قد انفرد بـ«السلطة»، مع ضرورة الإشارة هنا إلى أنه بات يبدو وكأن هاتين الجبهتين قد انحازتا إلى المحور الإيراني السوري، وأنهما بالنتيجة قد تلتحقان بحركة «حماس»، ما سيضاعف أعباء «أبو مازن» وأعباء السلطة الوطنية، وخاصة بالنسبة لعملية السلام التي من المنتظر أن تشهد متغيرات في غاية الأهمية خلال الشهرين المقبلين وخلال بدايات السنة المقبلة 2019 على أبعد تقدير.


لكن ما قد يخفف هذا العبء، وهو سيخففه بالتأكيد، أن هناك اعترافا فلسطينيا وعربيا ودوليا بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وأنها المخولة وحدها من قبل المجلس الوطني وفي كل الدورات التي عقدها بعد عام 1974 بالتعاطي مع عملية السلام وإبرام أي اتفاق لحل هذا الصراع الذي أصبح مزمناً مع الإسرائيليين... ومن المعروف أن «فتح» هي القوة الكبرى على الصعيد الفلسطيني، وأنها بحكم انفتاحها ومرونتها التنظيمية البعيدة عن الأساليب الحزبية الضيقة باتت تستوعب الشعب الفلسطيني بغالبيته، وكل تنظيماته النقابية وهيئاته الشعبية.