&هادي اليامي&

ما تردده بعض الدوائر والجهات بسوء نية، عن انتهاكات، هي مزاعم مغرضة لا تتفق مع نهج المملكة التاريخي المؤيد لحقوق الإنسان

باتت حقوق الإنسان والمطالبة بالحريات وصيانتها وحمايتها من أهم القضايا المطروحة على الساحتين الإقليمية والعالمية، ويتداول ذكرها في وسائل الإعلام بصورة يومية، وتعقد لأجلها المؤتمرات العالمية، ورغم التسليم بأهمية هذه الحقوق التي كفلتها الأديان السماوية كافة، وأقرتها جميع القوانين، إلا أنها أصبحت -للأسف- ذريعة يتذرع بها كثيرون، ومطية تستغلها الدول الكبرى للتدخل في الشؤون الداخلية لغيرها من الدول، لتحقيق مآربها السياسية، وأحيانا تستخدمها بعض المنظمات والهيئات كورقة ضغط على مجتمعات بعينها، لتغيير نمط الحياة والسلوكيات الاجتماعية، والتخلي عن القيم الدينية الراسخة، والعادات والقيم المتوارثة في إطار تنميط العالم ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا بشكل واحد، تحت ذرائع عالمية حقوق الإنسان.
خلال الفترة الماضية، ارتفعت ضد بلادنا أصوات بعض المنظمات الدولية العاملة في هذا المجال، بزعم عدم الاهتمام بحقوق الإنسان، وبعيدا عن الانحياز، وبكل حياد يمكن القول إنها محاولات مغرضة دافعها الرئيسي هو الكيد والمناكفة السياسية، ومحاولة تحقيق أهداف بعيدة عن تلك القيم السامية التي تتفق عليها جميع الأمم، ومن يتأمل تطور الأوضاع في بلادنا، خلال الأعوام القليلة الماضية، يجد أن هناك خطوات بالغة الأهمية اتخذتها في سبيل تدعيم حقوق الإنسان، وتواصل المملكة تعاونها الدائم والمستمر مع جميع الآليات الدولية لحقوق الإنسان، إذ تناقش يوم غد أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف تقريرها الثالث في إطار الجولة الثالثة من الاستعراض الدوري الشامل، والذي يعكس التقدم المحُرز في مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان في المملكة خلال المدة من يوليو 2013 وحتى يوليو 2018. كما يعكس تنفيذ المملكة لالتزاماتها الطوعية لتوصيات الفريق المعني بالاستعراض في الجولة الثانية، ومن أهم الخطوات التي اتخذتها المملكة في إطار المسار العدلي «القضائي»، تحديث نظام الإجراءات الجزائية، ونظام المرافعات الشرعية، وتعديل نظام هيئة التحقيق والادعاء العام وتحويلها إلى نيابة عامة، وتعزيز استقلالها وربطها بالملك مباشرة، وإسباغ الصفة القضائية على عملها، وإنشاء الهيئة السعودية للمحامين. إضافة إلى صدور كثير من الأنظمة الأخرى ابتداءً من نظام الحماية من الإيذاء، ونظام حماية الطفل، ونظام مكافحة التحرش، ونظام الأحداث، ونظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله.&


كما يأتي صدور نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية ليتوّج تلك الأنظمة لترتيب العمل الأهلي وتطويره، وتعزيز إسهام المواطن في إدارة المجتمع، وتفعيل ثقافة العمل التطوعي، وتحقيق التكافل الاجتماعي.
والناظر إلى منظومة حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، يجد أنها مكفولة بدستور المملكة النظام الأساس للحكم المستمد من الشريعة الإسلامية، ومع تبني هذه النصوص المستمدة من الدين الحنيف، فإن المملكة تأتي ضمن 36 أوفت بالتزاماتها الدولية تجاه تلك الاتفاقيات التي انضمت إليها من مجموع الدول الأطراف البالغ عددها 197 دولة، وكذلك التزمت بالمبادئ الأساسية التي نصت عليها تلك الاتفاقيات والصكوك الدولية، وإن كانت قد أبدت تحفظها على بعض الفقرات أو المواد، فإن ذلك ناتج عن تعارضها مع الشريعة الإسلامية التي هي أساس الحكم ومنهاجه، وهو حق مكفول لكل دولة أكدته قواعد القانون الدولي العام، إذ صادقت على المواثيق الدولية المتعلقة بالقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والتمييز ضد المرأة، واتفاقية مناهضة التعذيب، وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو غير الإنسانية أو المهينة، واتفاقية حقوق الطفل، والبرتوكول الاختياري لاتفاقية الطفل بشأن تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة، والبروتوكول الاختياري لاتفاقية الطفل والمتعلق بتجريم بيع الأطفال واستغلالهم، واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والميثاق العربي لحقوق الإنسان. وهذا يعني أن المملكة منخرطة بشكل جَدّي في المنظومة القانونية الدولية لحقوق الإنسان، وكانت إحدى الدول التي أسهمت بشكل عملي في وضعها، وليس أدل على ذلك من إسهامها في صك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.&
ومن واقع متابعتي المباشرة لحقوق الإنسان، محليا وإقليميا، طوال السنوات العشر الماضية، أستطيع تأكيد مدى الجدية الذي تتعامل به المملكة مع هذا الملف، وحتى إذا وقعت تجاوزات أو أخطاء، وهذا وارد بطبيعة الحال في أي مجتمع بشري، فهي قطعا تجاوزات فردية لا يمكن تعميمها أو الزعم بأنها منهجية أو مقصودة، فهي أشياء يمكن معالجتها في إطار القانون، ولا يتم مطلقا السماح بها أو تمريرها، ومثل هذه الأخطاء تقع في أكثر المجتمعات المتحضرة في العالم، ولا يكاد يخلو منها مجتمع.&


أما ما تردده بعض الدوائر والجهات بسوء نية، فهي مزاعم مغرضة لا تتفق مع نهج المملكة التاريخي المؤيد لحقوق الإنسان، والداعم لحق الشعوب في تقرير مصيرها واحترام سيادتها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، والدليل على ذلك هو انتخاب المملكة 3 مرات في عضوية مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهذا تجسيد لدورها الفاعل، لكنها في الوقت ذاته ترفض بصرامة أي محاولات للتدخل في شؤونها أو المساس بسيادتها، أو استخدام منظمات حقوق الإنسان وسيلة للابتزاز والضغط السياسي، وعدم احترام خصائصها الثقافية والحضارية والدينية. لذلك ستواصل تطوير منظومتها في هذا الشأن، وضمان رفاهية وكرامة شعبها والمقيمين على أرضها، واستخدام طاقاتها ومؤسساتها الاستخدام الأمثل والأكفأ في التعامل مع ملف حقوق الإنسان، حتى لا تبقى في إطار ردود الفعل والدفاع عن الذات، من خلال التفاعل والشراكة الإيجابية بين المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني دون انسياق خلف مزاعم باطلة أو شعارات زائفة.

&