&أحمد أميري

&تضافرت عوامل كثيرة في العقدين الأخيرين مهّدت الطريق أمام «التسامح الديني» ليتقدّم الصفوف ويفرض نفسه بين القيم العليا في هذه المنطقة، إذ لا يحتاج المرء إلى الإتيان بالشواهد على الشعور الذي يسود اليوم في عموم المنطقة، خصوصاً بين الأجيال الشابة، بأن التسامح الديني مسألة حياة أو موت بالنسبة للدول والشعوب، وأن التغيير الذي طرأ على الأفكار، فيما يخصّ تقبّل الآخرين دينياً، جرى على نطاق واسع، بحيث إن التدليل عليه كالتدليل على وجود الشمس. ولا يغير من ذلك وجود جيوب للتعصّب والتطرّف هنا وهناك، فهي مسألة وقت حتى تتلاشى وتندثر، فالمنطقة بدأت حقبة السلام الديني ولا عودة إلى الوراء.&


أما العوامل التي اجتمعت وتضافرت لإرساء التسامح الديني في هذه المنطقة، فتكمن في إرث التسامح في المنطقة الذي بقي في مأمن مِن أيدي الإسلامويين، والوقفة الجادة والشجاعة للكثير من الدول العربية، وفي مقدمتها دولة الإمارات، في وجه التعصّب الديني الذي كاد يحرق العالم من حولنا. كما أنّ التعصّب الديني، ودوله كدولة الملالي، وتنظيماته كـ«الإخوان»، وشخصياته كابن لادن والظواهري، وعصاباته كـ«القاعدة» و«داعش»، وجرائمه كالسبي والقتل والاغتصاب والتفخيخ وخطف الطائرات وتدمير الأبراج، والخراب الذي تسبّب به في العراق وسوريا وغيرهما، فضلاً عن تمزيق بعض المجتمعات وبثّ الفرقة فيها.. فتّح العيون على أهمية التسامح الديني، إذ ليس هناك منطقة وسطى في الموقف من المختلِف دينياً، إما التسامح معه أو التعصّب ضده.&


وأعود إلى الإمارات، ففي اعتقادي أن الإمارات هي الدولة الراعية للتسامح الديني في عموم منطقة الشرق الأوسط، فقد عملت مع غيرها من الدول العربية، خصوصاً السعودية ومصر، في الوقوف في وجه التعصّب الديني الذي ظل يستفحل تدريجياً حتى بلغ ذروته بظهور «داعش»، وهذا العمل لم ينحصر في المواجهة العسكرية أو الأمنية مع عصابات التطرّف والإرهاب، بل ثمة جهد كبير بُذل على مستوى التعليم، والإعلام، والفن، والفتوى، والقوانين ذات الصلة بالإرهاب وتمويله ودعمه والترويج له، فضلاً عن المبادرات والمشاريع والندوات، بل إن إحدى سياقات مقاطعة النظام القطري في اعتقادي هو ملف التسامح الديني، حيث إن التسامح الديني يمثل الخطر الأكبر على مشروع «الأخونة» الذي ترعاه قطر.&


وفضلاً عن الدور المشترك للإمارات مع شقيقاتها، فقد قدّمت الإمارات وبشكل استثنائي النموذج للتسامح الديني الذي برهن ويبرهن على صوابيته من كافة النواحي الشرعية، والإنسانية، والقانونية، والثقافية. بل أعتقد أن العمل العربي لترسيخ التسامح الديني ما كان ليلقى الصدى والتجاوب والتأثير لولا وجود النموذج الذي يمكن أن يحتذى به ألا وهو دولة الإمارات، فصواب المنهج لا يكفي بذاته للإقناع به، بل لا بد من مثال أعلى لِما يمكن أن يصير إليه مآل هذا المنهج عند تطبيقه والسير عليه. صحيح أن هناك في شرق وغرب العالم دولاً ناجحة متسامحة دينياً، لكن هذه الدول لا تصلح لاتخاذها مثلاً لدول الشرق الأوسط، نظراً للاختلاف في الدين واللغة والثقافة والواقع السياسي والظروف الاقتصادية والاجتماعية وغيرها من أوجه الشبه والاختلاف.

&