& مها محمد الشريف

&لقد شكل الشرق الأوسط أهمية قصوى للسياسة العالمية بكل مكوناته السياسية وموارده النفطية واستراتيجية موقعه الجغرافي وخطوطه الملاحية، ولم تعد الأطماع خفية، فالدول العربية المطلة على البحر الأحمر تؤكد التعاون المشترك، بفضل الجهود الكبيرة التي تسعى إليها المملكة العربية السعودية، وهو في الحقيقة اتفاق تاريخي وقعته مجموعة من الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، نتج عنه بيان للدول المشاطئة للبحر والخليج لتعزيز الأمن والاستقرار وحمايتها من الأطماع الإقليمية والدولية من إيران وتدخلاتها السافرة، وتركيا بوجودها في سواكن، وكذلك إسرائيل والقرصنة.

ومبادرة الملك سلمان بن عبد العزيز تهدف إلى الدوافع الأمنية وحماية المصالح العربية، وهي بلا شك من المزايا التي قل نظيرها في التاريخ، وهي من الدلائل على تحقيق الفرص وكبح جماح الأخطار المحدقة بالمنطقة، فإذا ما نحينا هذه الأفكار العميقة جانباً، فإن الواقع يأخذ بعين الاعتبار عدم توازن القوى في العالم، علماً بأن الدول العظمى تتوسع في عقد الاتفاقيات وتوطيد العلاقات مع معظم الدول الأفريقية المطلة على البحر الأحمر، وذلك لكي تستحوذ على مزيد من التحكم بمفاتيح الجغرافيا السياسية لينتهي بهم الأمر إلى احتلال مراكز ومواقع يستطيعون من خلالها التأثير في النتائج الاقتصادية وأيضاً السياسية... في الوقت الذي تبقى فيه السياسات ثابتة لدى الدول الكبرى من حيث قواعدها العسكرية مثل أميركا، وكذلك روسيا وفرنسا وبريطانيا، واستثمارات الصين لحماية مصالحها الاقتصادية التي تمر عبر البحر الأحمر بحجم 13 في المائة من التجارة العالمية، وتقدر بنحو ثلاثة تريليونات دولار، لا شك فهي تعمل من أجل حماية مصالحها وتعزيز نفوذها على المنطقة وضمان بقائها على منافذ البحار والمحيطات.
هذا جزء من سيناريوهات القوة الناعمة في عالمنا المعاد تنظيمه وتحريكه في اتجاهات أكثر فعالية، كما قالت «الفاينانشيال تايمز» البريطانية: «فإنه من أجل كسب السلام، يتعين على الولايات المتحدة أن تظهر براعة كبيرة في ممارسة القوة الناعمة كما أظهرت براعتها في ممارسة القوة الصلبة لكسب الحرب».
لهذا فإن تأسيس كيان لدول البحر الأحمر وخليج عدن، يعكس على الأرجح قوة القرار وهدفه الأساسي، ويعزز الأمن والتنمية في المناطق البحرية، وهذا هو التركيز المناسب لاستراتيجيتنا الجديدة للأمن القومي، ويتجلى باستمرار التكامل والترابط بين قادة الدول المطلة على البحر الأحمر لتنظيم العلاقات والأهداف، بوجود مستقبل آمن مع مثلث الأقطاب أميركا وروسيا والصين، ويعد أمراً في غاية الأهمية لتحقيق السلام الدائم مع الغرب والشرق رغم حجم الخلافات فيما بينهما.
لن يكون الأمر محط تحقيقات واستقصاءات، فالبيان خلق تكتلاً يفرض نفسه بالسيادة على البحر الأحمر، وفي هذه الحالة الكل سيتعامل معك ومع موانئك ومحطاتك بندية؛ لأنك موجود جغرافياً، وستبقى منافعك الاقتصادية في مقدمة التعاملات، فالدول من حولك تربطهم الجغرافيا ولكن المصالح لم تكن مبنية كما يجب، وبمزيد من الأهمية هو ذلك التحالف الذي اجتمع من أجله وزراء خارجية الأردن ومصر والسودان وجيبوتي والصومال واليمن، والسعودية في الرياض؛ لمناقشة مسودة ميثاق لإنشاء مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن.
لقد قال وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في سلسلة تغريدات على حسابه الموثق بموقع «تويتر»: «أهنئ سيدي خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد على الخطوة المباركة بتأسيس كيان يجمع دول البحر الأحمر وخليج عدن، والتي تعكس رؤيتهما لتعزيز التنسيق والتعاون بين دول هذه المنطقة».
بناء عليه نؤكد ما قاله الوزير الجبير بأن إنشاء كيان يجمع دول البحر الأحمر وخليج عدن، سيعزز الأمن والاستقرار والتنمية والاستثمار شأنه في ذلك شأن الاتفاقات الدولية الأخرى التي تنطوي على عناصر حماية قوية، وسيوفر الأمن والحماية لهذه الممرات التي تعتبر جسراً للتواصل بين الحضارات والثقافات. أيضاً ستعزز مبادرة الملك سلمان الكثير من الجهود الكبيرة التي تصب في مصلحة مكانتنا الاستراتيجية وبناء الصف الأفريقي، فهي بداية مكللة بالإنجازات ليبقى البحر الأحمر عربياً، خدمة لما يتفق مع الأهداف السياسية، والتغلب على العقبات والعراقيل الممنهجة.

&