مؤيد رشيد

دول الخليج العربي، وفي مقدمتها المملكة والإمارات والكويت، تحاول جاهدة التخفيف عن معاناة الملايين من العراقيين الذين دمرت مدنهم نتيجة أسباب كثيرة كانت محاربة داعش من بينها

دولة الكويت الشقيقة ستستضيف مؤتمرا عالميا للمانحين في منتصف فبراير الجاري يهدف إلى حشد الدعم لجهود إعادة الإعمار في العراق وبدعم خليجي وعربي ودولي، وحسب مصادر عراقية، يحتاج إلى مئة مليار دولار لإعادة إعمار المدن المدمرة.
المنح والمساعدات والودائع والقروض والتبرعات المادية والعينية هي كلها تمثل إشكالا ووسائل للتعاون الإنساني بين البشر، وهي أشبه أو أقرب ما تكون إلى المقايضة التي اخترعها الإنسان للتعايش وتبادل المنفعة مع أخيه الإنسان، ولكن المقايضة هنا ليست تبادلية بحتة، وإنما هي عملية مقايضة للسلع والخدمات في مقابل قيمة إنسانية.


ولكن الأصل هنا هو «وصول» تلك المساعدات بكل أشكالها ومسمياتها إلى مستحقيها كهدف أساسي وهو الغاية منها، ولذلك صارت هناك آليات وضوابط تنظيمية من قبل الجهات المانحة وبعض المنظمات الإنسانية حول العالم لأجل تحقيق هذا الهدف.
قناة «فوكس نيوز» تناولت الأمر وكما أوردته في تقرير لها الشهر الماضي حيث تخشى أن الكثير من المانحين قد يترددون في الاستثمار في العراق، وهي دولة غنية بالنفط، وتعد من بين الدول التي تعاني من الفساد، وفقا لبيانات منظمة الشفافية الدولية، حيث حذرت المنظمة من مخاطر ذلك على المجتمع.
وتتشارك معها تلك المخاوف وكالة «اسوشييتد برس الأميركية» في تقريرها الذي نشرته في 25 /‏1 /‏2018 حول مؤتمر المانحين، والذي أعربت فيه عن نفس المخاوف، وأن العراق مطالب بتقديم ضمانات للدول المانحة بعدم ذهاب الأموال إلى غير مستحقيها.


المؤتمر بحد ذاته هو مبادرة إيجابية، ولكنه سيكون بلا جدوى في ظل غياب الضمانات اللازمة لإنفاق تلك الأموال على الإعمار بشكل فعلي، وهو أمر من المؤكد سيثير تخوف الجهات المانحة، ولتلافي هذه الإشكالية، لابد من اعتماد آلية للإشراف المباشر من قبل الدول المانحة وعبر اعتماد شركات عربية وعالمية لتنفيذ مشاريع إعادة البناء، بهدف القضاء نهائيا على حلقات الوسطاء والعمولات منعا للفساد.
وتلاقي هذه المخاوف صدى كبيرا في الشارع العراقي، والذي يشكو من الفساد وغياب الخدمات، وتفشي البطالة مع غياب كامل للأمن.
الكثير من العراقيين يرون أن الأجدر بالذين لم يحرصوا على أموال العراقيين، أن يسهموا وبجدية في عملية إعادة الإعمار، بدلا من استجداء الآخرين ليطلبوا منهم إعمار ما خربوه بأيديهم، ويرون أن مبالغ مؤتمر المانحين ربما لن تحقق أهدافها في حال غياب الشفافية، ويأملون أن تعي المنظمات الدولية وكل المانحين ذلك للحيلولة دون تكراره.
الدكتورة سلام سميسم الخبيرة في الشأن الاقتصادي في حديث لوكالة «عين العراق نيوز»، رجحت حصول العراق على 10 مليارات دولار من مؤتمر المانحين المنتظر عقده في الكويت وحسب تقديرها، وهو مبلغ لا يكفي لتغطية كافة احتياجات إعادة الإعمار في محافظات الموصل وصلاح الدين والأنبار وديالى، وأن من واجب الحكومة المساهمة بشكل فعال في إعادة الإعمار، وحذرت من أن وجود حلقات الفساد ونفوذها سيجعل التلاعب بهذه الأموال أمرا محتملا، وبالتالي لن تحقق النفع العام، وهذا أمر يثير المخاوف.
وقد ناشدت «اليونيسيف» السلطات في العراق والمجتمع الدولي، على أثر زيارة إلى الموصل قام بها نهاية العام الماضي المدير الإقليمي لليونيسيف جيرت كابيلير، داعية إلى إنهاء جميع أشكال العنف حتى يتمكن الأطفال وأسرهم من العيش في أمان وكرامة، ومواصلة تقديم المساعدة الإنسانية، بما في ذلك المساعدة في المخيمات والمستوطنات غير الرسمية، وتشجيع الاستثمارات طويلة الأجل في قطاع التعليم، والاهتمام بالأطفال بشكل خاص لأنهم يمثلون مستقبل العراق.


وقال بيان لصندوق إعمار المناطق المتضررة في العراق والذي يرأسه «الدكتور مصطفى الهيتي» وهو أكاديمي معروف ومشهود له بالكفاءة، إنه ناقش في اجتماع حضره كل من فريق عمل البنك الدولي، وممثلين من الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، الشيخ أحمد علي الصباح، والمدير الإقليمي عبدالله المصيبيح، الاستعدادات لعقد مؤتمر المانحين، والذي يشمل النواحي التنظيمية، وتحديد مقترحات التوقيتات والمحاور الرئيسية له، والمتحدثين وقائمة المدعوين وتوقعات مخرجات المؤتمر وآليات متابعة تلك المخرجات.
لا يخفى على أحد أنه وفي ظل هذه الظروف الصعبة والتي تعاني منها بلادنا العربية وبشكل متفاوت، ينظم مثل هذا المؤتمر، ليكون تعبيرا عن التضامن العربي مع الشعب العراقي، فدول الخليج العربي وفي مقدمتها المملكة والإمارات والكويت، تحاول جاهدة التخفيف عن معاناة الملايين من العراقيين الذين دمرت مدنهم نتيجة أسباب كثيرة كانت محاربة داعش من بينها.
سكان المخيمات وكل المشردين والمهجرين والمغلوبين على أمرهم من الضعفاء الذين باتوا لا حول لهم ولا قوة، والملايين من الأطفال، يتطلعون بعيون ملؤها الأمل والرجاء، ويناشدون الدول والجهات المانحة، وكل الدول والمنظمات الإنسانية، ألا يسمحوا لهذه الأموال والمنح والمساعدات والقروض بكل أشكالها، من الذهاب إلى غير مستحقيها لتضيع ولا تحقق أهدافها الإنسانية، وكما ذهب الكثير منها وضاع على مدى الخمسة عشر عاما الماضية، فما فائدة المساعدات مهما بلغت إن لم تؤد الغرض والنتيجة الإنسانية المرتجاة؟