خالد بن حمد المالك 

المملكة هي صمام الأمان لاستقرار الدول العربية، هي الدولة القوية التي تضمد الجراح، وتزرع الأمل رغم شراسة التحديات، وهي -لا غيرها- من يعوّل عليها إذا ما مس دولة عربية مشكلة أو واجهت وضعاً يعرّض أمنها واستقرارها للخطر، فهي المرجعية لعالمنا العربي بحكمة قيادتها وحسن تصرفها وقدرتها على التعامل مع الشدائد بالمواءمة بين الحزم والتصرف المرن بحسب ما يقتضي به الحال.

* *

المملكة هي الداعم الأول مادياً واقتصادياً لكل الدول العربية ذات الإمكانات المتواضعة، هباتها ومساعداتها تتكرر ولا تتوقف، ويدها ممدودة لكل من يريد أن يصافح هذه اليد السخية المعطاءة، دون أن تكون للرياض مصلحة أو هدف في كل موقف جميل مع أي من هذه الدول، فالهدف أولاً وأخيراً أن ترى الأشقاء في أحسن حال.

* *

لم تمن المملكة يوماً بما تقدّمه من عون للآخرين، بل إن كثيراً من هذا الدعم تخفيه السياسة السعودية بنبلها من أن يطلع عليه أي أحد، أو يتعرّف على تفاصيله إنسان، فكرامة الدول الشقيقة من كرامتنا، ومشاعرها لا نفرقها عن مشاعرنا، فنحن نؤمن بأن الشقيق حقه علينا جد كبير، والشقيق شريكنا ومعنا في كل شيء بما في ذلك لقمة العيش، دون أن نمن بذلك، أو نعطيه أكثر من حجمه.

* *

في جانب آخر، فالمملكة -وهي الدولة القوية- لا تسمح بإيذاء الدول الشقيقة، ولا المساس بحقوق شعوبها، ولا التمرد على أنظمتها الشرعية، وعلى هذا الأساس كان موقفها من انقلاب الحوثيين على النظام الشرعي في اليمن، وموقفها من التدخل الإيراني في دول المنطقة، وبهذا الإحساس القومي والإنساني تعاملت مع القضية السورية وقبلها مع القضية العراقية ومع حزب الله في لبنان وتنظيم الإخوان المسلمين في مصر وقطر وهكذا.

* *

لماذا هذا الكلام الآن وليس قبل، الجواب أننا أمام قمة عربية تعقد في الظهران على ضفاف الخليج، حيث منابع النفط الأكبر على مستوى العالم، وحيث مشروعات التحلية الضخمة وهي الأخرى الأكبر على مستوى العالم، وحيث يكون الأشقاء العرب في ضيافة الملك سلمان وولي العهد الأمير محمد، ومعهما شعب المملكة العربية السعودية، بمذهبيه السني والشيعي، وهنا يتجلّى الموقف السعودي المبهر في جمع شتات العرب، وتوحيد كلمتهم، والتشاور ومن ثم الاتفاق على ما يعزِّز مكانهم، ويقوي مواقفهم أمام التحديات المحدقة بالأمة.

* *

مؤتمر القمة العربي الذي تستضيفه المملكة في دورته الحالية، ربما كانت مصادفة بأن يُعقد بالمملكة، لأن هذا من مصلحة العرب، فهنا بيت العرب، وهنا تكون المصالحة والتعاون وبناء أوثق العلاقات بين الدول، فهذه نصيحة الملك عبدالعزيز وتوجيهاته لأبنائه الملوك من بعده، وهنا يخيم على العرب الوئام والحب والنظرة المستقبلية المتفائلة.

* *

القضايا بملفاتها المختلفة، ذات الارتباط بمصالح الأمة، ستكون محل اهتمام قيادة مؤتمر القمة العربية والأعضاء فيه، لكن أهم ما يجعل العرب على درجة عالية من الثقة بأن هذا المؤتمر تحديداً لن يكون تكراراً لما خلصت إليه المؤتمرات العربية السابقة من نتائج، أن سلمان بن عبدالعزيز هو من يرأس هذه القمة، وبالتالي لن يقبل بقرارات لا تجسد آمال هذه الأمة، ولن يرضى أن ينتهي الاجتماع دون نتائج ترتقي إلى مستوى طموحات الدول العربية.

* *

لا نريد أن نستبق الأحداث، ونقرِّر ما سيكون وما سيعرض وما سيتم الاتفاق عليه، لكننا في زمن الملك سلمان، نثق بأننا أمام مؤتمر تاريخي غير مسبوق، وأن القرارات التي سيعلن عنها بعد اختتامه ستلبي الكثير من تطلعاتنا، وستكون بمثابة إعادة القوة والهيبة والتلاحم وتصحيح الأخطاء بين ولدى دولنا العربية من دون استثناء.