بينة الملحم

يُشكّل التأكيد على أهمية المتغيّر الثقافي بوصفه ضرورة وطنية ومرحلية، نجد أن ذلك عائد إلى أن التحام مفهوم المواطنة بحقائق الثقافة الوطنية المستوعبة لكل العناصر والتعبيرات، هو الذي يمنح المجتمع القدرة على التمييز ومواجهة تحديات تكييف فكر المجتمع مع التغيّرات التنموية التي تتطلبها المرحلة الرؤوية التاريخية وتتمثل حالياً الحالة المجتمعية ومدى قبولها لضرورات رؤية المملكة والتحولات الوطنية ومن أهمها تخليص الخطاب المجتمعي «السعودي» من أسر الخطابات المعيقة لتحقيق تلك الرؤية.

وإن كان المجتمع السعودي بعمومه وفئة الشباب خاصة قد نبذ تلك الخطابات -على رأسها خطاب التطرف والخطاب الصحوي- التي ظلت ردحاً من الزمن تهيمن وتسلب من المجتمع طبيعته المعتدلة بالفطرة وما لم يكن عليه أفراد المجتمع قبل 30 عاماً قبل ميلاد مشروع الصحوة إرهاصات الثورة الإيرانية وجماعات الإسلام السياسي أو ما شكله مثلث الشر (إيران - الإخوان - المنظمات الإرهابية).

تبقى الإشكالية التي تواجه صياغة الهوية الفكرية السعودية المعتدلة هي ممارسة الأطراف المتعددة لعبة شد الحبل على خط المجتمع، والكل يحاول الانتصار لنفسه عبر التراجع والعودة للوراء لتحقيق الانتصار، ويظل الخط الثقافي للمجتمع نقطة لا يعيرها أحد أي اهتمام، ولذلك تذهب المجتمعات ضحية شد الحبل لتحقيق التراجع من خلال ما يظنه ويفعله بعض أفراد طرفي النقيض بإيهام المجتمع أنه لا يمكن تحقيق تلك الهوية المعتدلة المنشودة إمّا بالبقاء في أسر التطرف أو الانسلاخ من كل قيم المجتمع والانحلال منها في حين أن فهم ثقافة المجتمع وآلية تطويره «يجب أن تمارس لعبة السيرك في المشي فوق حبل طويل يمتد بين جبلي الثقافة «الحداثة والرجعية»، في خضم التغيير والبحث عن الحداثة تمارس الأطراف المتنازعة دوراً مختلفاً وتمارس على الواقع لعبة رياضية الفائز فيها هو الذي يتراجع إلى الخلف، إنها لعبة شد الحبل المجتمعي».

لماذا نريد أن نعود بالمجتمع إلى طبيعته المعتدلة؟ ولماذا نريد التكيّف مع التغيرات الجديدة؟ إذا كان لدينا الجواب على ذلك فكيف؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن نبحث له عن إجابة كافية، ليس بشد الحبل إلى الوراء، أو بدفع المجتمع للتصادم مع بعضه البعض ولكن بالدخول إلى دائرة المجتمع الفكرية، ومن ثم تشغيلها بكل أوتار المجتمع المتعددة، كما نحرك العربة وتدوير كل الأسئلة والأطروحات الفكرية الأساسية!