عبدالله بشارة

«مبروك» على الجميع شهر رمضان المبارك، شهر العمل والأمل، والعبادة والتأمُّل في الريادة وحسن التدبير، أعاده على الجميع بالمزيد من الثقة والاطمئنان وأمن الأوطان.

عدت من مؤتمر معهد بيروت Beirut Institute، بحضور سمو الأمير تركي الفيصل، رئيس مجلس الادارة، وبإدارة الاعلامية راغدة ضرغام صاحبة الخبرة الأممية لمدة ثلاثين سنة، وآخرين من الشخصيات العربية والدولية، وجوهر المداولات ضرورة إلحاق العالم العربي بركب التبدلات في هذا الكوكب، من تكنولوجيا وتطوير الحكم والانفتاح وحيوية المجتمعات.
استمعت إلى جدل قوي متعاطف مع الخليج الذي كسب حصة الأسد من الاهتمام مع دعوة قوية للتحرّك الخليجي بخطوات أكثر واقعية وأكثر جرأة وأكثر تصميماً لتجاوز عقبات التصلّب السياسي والاجتماعي الغالب، للالتحاق بما يشهده العالم من تركيز على المعرفة والتكنولوجيا والمهارة والاندفاع نحو تحديات التعليم.
كان الترحيب بالتطورات الداخلية في الامارات والمملكة العربية السعودية وخطواتهما في تقليل الاعتماد على النفط وتنويع مصادر الدخل والترحيب الرسمي والأهلي نحو استقبال التكنولوجيا والابتكار شأنا بارزاً في المداولات، مع رصد لما يدور في المجتمعات الخليجية والعربية الأخرى.
وبالطبع، تحدث الخبراء عن أزمة الخليج باستغراب استمرارها والتذكير بحجم الخسائر التي أصابت الجميع في دول الخليج وفي العالم العربي وأدخلت مجلس التعاون في شبه شلل تام.
ومهما سعينا في شرح المسبّبات، فإن قضايا الأمن والاستقرار الاقليمي تستدعي المكاشفات لكي يحافظ مجلس التعاون على مصالح الدول الأعضاء، ويتقبل إظهار المرونة للأعضاء في اتباع نهج متسامح، على أن يتم ذلك في إطار المصالح الخليجية العليا، بحيث لا يتضرر أحد من تلك المرونة، كان هذا النهج يراعي حساسية السيادة والهوية.
ولفت نظري ما نشرته صحيفة الراي الكويتية، في عددها الصادر يوم الثلاثاء الماضي 15 مايو الجاري، من مقتطفات محاضرة ألقاها وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبدالرحمن في جامعة قطر عن الأزمة، وأشار فيها إلى موقف قطر في وجوب اتفاق اقليمي جديد لضمان حماية الدول كبيرها وصغيرها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية مع تأكيده على مساعي سمو الشيخ صباح الأحمد أمير الكويت، وترحيب قطر بالحوار، قائلاً: «إن دعوة قطر للحوار ليست شيكاً على بياض ليتم فرض الشروط عليها، وإنما الحوار وفق القانون الدولي، ومن دون المساس بسيادة قطر ومقدرات شعبها».
لكننا نضيف أيضاً وفق النظام الأساسي لمجلس التعاون وهو عقد ـــ Bond وقّعت عليه الدول في مايو 1981، مدركة حقها الكامل في السيادة وحفظ الهوية في إطار اقليمي تعاوني فيه مزايا وفيه التزامات أيضاً، ومن أبرزها: الالتزام بدبلوماسية تصبّ في مسار مجلس التعاون ولا تتناقض مع نهج الاجماع وتسهم في تحقيق أهداف المجلس، لا سيما في الأمن والاستقرار، مع ملاحظة أن مجلس التعاون قام من أجل ابعاد التهديدات التي كانت تستهدف استقرار المجلس ليس فقط من إيران، وإنما أيضا من قوى التخريب العربي والاسلامي ومن أصحاب الايديولوجيات المدمرة.
لم أتصوّر حجم التباعد وعمق الشك وحدة الغضب الذي أصاب العلاقات، هناك أخطاء حادة أفرزتها الأزمة، أتعسها الانحطاط الاعلامي في تبادلية تشهير سخيفة وصلت إلى ملفات الأمم المتحدة، ومسّت شخصيات قيادية وبعبارات سوقية مع تصعيد سياسي وصل إلى التخوين وتبنّي معارضات ليس لها شيء من الشرعية.
هذا الانحدار غير المسبوق في تاريخ الخليج لا يتفق مع تكرار الجميع الالتزام بمساعي سمو الأمير، المحتاجة إلى أجواء مناسبة فيها ترطيب ايجابي عبر اجراءات وقف المدفعية الاعلامية المدمرة وإبراز الاقتناع الجدي بهذه المساعي لتسهيل مأمورية سمو الأمير.
لم يحصل ذلك، وما زالت الأوضاع تعسة مع احتمال تدخل رئاسي أميركي لعقد لقاء في واشنطن يضم كل الأطراف، وبالطبع لن يكون المناخ السياسي والنفسي منعشاً، وإنما سيتعرّض الجميع لضغوط جدية وثقيلة لا مجال للتنصّل منها، وحتماً لن تكون الحصيلة مرضية للجميع، ولا أعتقد أنها تصبّ في مجرى المصالح الخليجية فقط، وإنما سترافقها التزامات قد تكون فوق الطاقة، وقد يصيبنا الندم لعجزنا عن الاستجابة الصافية لمساعي سمو الأمير، وكذلك لأننا لم نستمع الى صوت العقل.
الثقة المتبادلة والاطمئنان الجماعي هما الأرضية التي كان يقف عليها المجلس، فإذا تسلّلت الشكوك ورافقتها اجراءات تأديبية لم يعد المجلس ذلك الكيان الذي تبنّاه حكماء الخليج 1981 وحصّنوه بالثقة والاطمئنان والارتياح، وقد تأتي صيغة تحمل بنوداً جافة لم تعتَدها بيئة الخليج تنهي الصيغة المحببة والرحيمة التي حقّقت كثيراً وأنجزت في جميع المجالات.
كنت أستمع خلال مداولات المؤتمر إلى شخصيات أميركية تنادي بعودة المسيرة، لا سيما في مجال الأمن في هذه الظروف التي يتعاظم فيها التوتّر بعد ضياع قواعد الدبلوماسية العالمية المعتادة، والتي لا يريدها الرئيس الأميركي ترامب المؤمن بالقوة الصلبة، وبادخال تبدلات في النظام السياسي العالمي.
لا يحتمل الخليج استمرار الوضع الراهن، وقد لا يستوعب محتويات صندوق المواجهة الذي يحمله رئيس الولايات المتحدة، الذي فتحه عبر خطواته في القدس والغاء الاتفاق النووي مع إيران..
لا يوجد بديل لحل الأزمة سوى خطوات سمو الأمير، ومن أهم شروط نجاحها تعاون الجميع، وتقبُّلهم أحكامها.