إدريس لكريني

تحيل السياسة الخارجية إلى السلوكيات والتدابير والبرامج، التي تتخذها الدول على سبيل تحقيق أهدافها في النظام الدولي، فهي تنحو إلى خلق قدر من التوازن بين التزامات الدولة وامتلاك مختلف عناصر القوة، التي تسمح لها بتحقيق أهدافها وأولوياتها على المستوى الخارجي.


وتتلخص آليات السياسة الخارجية في السبل الدبلوماسية بما تحيل إليه من أجهزة حكومية وبعثات دبلوماسية وقنصلية ودبلوماسية موازية، والتوظيف المشروع للإمكانات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية.. 
والدبلوماسية الفاعلة هي التي تحول عناصر ومقومات القوة المتاحة والمتوافرة إلى قوة فعلية على مستوى الواقع، وتوظيفها ميدانياً على المستوى الإقليمي والدولي في تحقيق مختلف المصالح، وكسب الرهانات التي تطرحها الدول.
يشير الكثير من الباحثين إلى أن العلاقات الدولية تخضع لمجموعة من المؤثرات والمحدّدات، التي تتحكم في قوة حضور الدول، ونجاعة سلوكياتها في هذا الصدد، وهي تتنوع بين مقومات داخلية وأخرى خارجية.
يمكن الإشارة في هذا الصدد، إلى دور حجم إقليم الدولة وتنوعه، إضافة إلى عدد سكانها، في تحديد سلوكياتها الخارجية؛ فالإقليم بمكوناته الطبيعية والمناخية والمعدنية، وتنوعه بين جبال وسهول ووديان وبحار، يشكل عامل قوة بمنظور الجيوبوليتيكا، ونفس الأمر ينطبق على عدد السكان وما يحيل إليه من نخب وكفاءات وعمالة وتنوع..، يمكن أن تشكل عامل قوة في حال استثمار هذا المكون بصورة سليمة وبنّاءة.
وهناك العامل الاقتصادي المرتبط بالصناعات المتطورة والتنافسية الدولية، الذي تزايدت أهميته في العلاقات الدولية خلال العقود الأخيرة؛ حيث أضحى أحد العناصر المهمة، التي تحدّد سلوك الدول، وتميّز حضورها، في عالم مبني على المصالح؛ ذلك أن المواقف التي لا تجد أساساً اقتصادياً يدعمها ميدانياً، تظل مجرد شعارات لا قيمة لها بالمنظور الاستراتيجي.
كما أن التطورات التكنولوجية المذهلة، أفرزت واقعاً دولياً جديداً سمح للدول المالكة لمقومات هذه التكنولوجيا أن تكون مؤثرة، وخصوصاً مع تنامي استثمار هذه الأخيرة (التكنولوجيا) في المجالات العسكرية والتواصلية مع المحيط الخارجي والتأثير في الرأي العام الدولي.
ولا تخفى أيضاً أهمية القوة العسكرية في هذا الصدد، ورغم أنها لم تعد بنفس الأهمية، التي كان عليها الأمر في الماضي، إلا أنها ما زالت محدداً مهماً وأساسياً في تحديد الحضور الدولي، فهذه القوة هي التي تدعم سيادة الدول وتضمن حمايتها من الأخطار الخارجية؛ بل إن امتلاك أسلحة استراتيجية طالما شكل مدخلاً لتحقيق السلم في العلاقات الدولية عبر أسلوب الردع.
وتبرز الدراسات والوقائع توجّه العديد من الدول إلى توظيف البعد الديني في سلوكاتها الخارجية على مستوى بناء التكتلات، وتجنيد القدرات وتعبئة الجماهير في سبيل ربح رهانات ومكاسب خارجية.
وغالباً ما يتخذ هذا التوظيف بعداً بنّاء وحضارياً، كما هو الشأن بالنسبة للدبلوماسية الروحية، التي يستثمرها المغرب في تمتين علاقاته مع عدد من البلدان الإفريقية بصورة تدعم التواصل، وترسخ مبادئ التسامح ونبذ التّطرف ونشر ثقافة الاعتدال، غير أن عدداً من البلدان لا تتردد في توظيف هذا العنصر توظيفاً منحرفاً وهو ما تجسده الحروب الصليبية بين المسيحية والإسلام، أو الصهيونية التي مزجت الدين اليهودي بالسياسة، وكذلك الأمر بالنسبة للتوجهات الأمريكية في العقود الأخيرة، التي حرصت على توظيف الدّين بشكل جلي في تبرير بعض سلوكياتها الخارجية..
ويثير البعض المحدّد الإيديولوجي، الذي شكّل أساساً للصراع بين القطبين الغربي بزعامة الولايات المتحدة، والشرقي بزعامة الاتحاد السوفييتي (سابقاً) واتخذ أبعاداً مختلفة. غير أن نهاية الحرب الباردة وتنامي الاهتمام بالقضايا الاقتصادية وتزايد الالتفات إلى مخاطر دولية وأولويات دولية جديدة، إضافة إلى تمدّد العولمة، كلّها عوامل أسهمت في تراجع هذا البعد في العلاقات الدولية. 
وأخيراً لا تخفى أهمية طبيعة النظام السياسي القائم داخل الدولة في هذا الشأن؛ ذلك أن الاستقرار السياسي ودينامية المؤسسات، ووجود هامش من الحرية واحترام حقوق الإنسان يدعم حضور ونجاعة هذه السياسة، ويمنحها قدراً من الشرعية بصدد تدبير الأزمات والمساهمة في تحقيق السلم والأمن الدوليين. 
تعتمد الدول على مجموعة من الأجهزة والآليات في تنفيذ علاقاتها مع مختلف الفاعلين الدوليين، فهناك رئيس الدولة باعتباره الممثل الرسمي والأعلى للدولة، وهناك وزير الخارجية باعتباره موظفاً رسمياً مكلفاً بإدارة العلاقات الدولية لبلاده تبعاً لما يسمح به الدستور في هذا الشأن، وهناك الأجهزة الدبلوماسية والقنصلية للدولة والمنتشرة في مختلف مناطق العالم.
وقد أسهم تعقد العلاقات الدولية وقضاياها، وتطور أولوياتها الاقتصادية والاجتماعية.. إلى تنويع الفاعلين في هذا الشأن، من خلال الانفتاح على الدبلوماسية الموازية الداعمة للدبلوماسية الرسمية، والعمل على «دمقرطتها»؛ في علاقتها بأدوار البرلمان (الدبلوماسية البرلمانية) والمجتمع المدني والأحزاب السياسية ومراكز البحث والجامعات والمدن (الدبلوماسية المحلية)..
وتشير الممارسات الدولية إلى أن الكثير من القوى الدولية الكبرى وفي سبيل تعزيز تواجدها الدولي، نجحت إلى حد كبير في الانتقال من استثمار القوة العسكرية المكلفة في تحقيق عدد من أولويات مصالحها الاستراتيجية إلى استخدام آليات ملطّفة وجاذبة، تعتمد على عناصر التجارة والاستثمار والثقافة والبحث العلمي والمساعدات المالية والتقنية ضمن ما يعرف بالقوة الناعمة؛ لتحقيق هذه المصالح..