باسكال بونيفاس 

تحولات كبيرة وجميلة تلك التي قامت بها كرة القدم. فبعد أن كانت في البداية رياضة مقتصرة على النخبة البريطانية البيضاء، تحولت الساحرة المستديرة في أقل من قرن ونصف القرن إلى الرياضة الأكثر شعبية في العالم، وأنشأت امبراطورية عالمية تأسر بسحرها كل الشعوب وكل الطبقات الاجتماعية.

كان يُقال إن الشمس لا تغرب أبداً عن امبراطورية تشارلز الخامس، ولم يكن ذلك دقيقاً. وبالمقابل، أنشأت كرة القدم امبراطورية لا تعرف – أو لم تعد تعرف – أي حدود، وفرضت نفسها ضمن حماس الشعوب التي غزتها، تلك الشعوب التي لم تبدِ أي مقاومة إزاءها، بل على العكس. وكرمز من رموز العولمة، تطورت كرة القدم أكثر من الديمقراطية، أو اقتصاد السوق، أو حتى الإنترنت. وعلى سبيل المثال، فإن بلداً مغلقاً ومنعزلاً مثل كوريا الشمالية استسلم لسحرها منذ وقت طويل، ولكنه ظل منيعاً في وجه كل التأثيرات الخارجية الأخرى.

وفي القرية العالمية التي أصبح يمثلها كوكبنا، أصبح لاعبو كرة القدم المواطنين الأكثر شهر والأكثر شعبية. وشخصياً، كثيراً ما أقوم بالاختبار التالي عندما ألقي إحدى المحاضرات. فأسأل، مثلاً: «من منكم يعرف أنتونيو كوستا؟»، فلا يرفع أحد يده، بشكل عام. وعندما أضيف: «ومن منكم يعرف كريستيانو رونالدو؟»، يرفع الجميع أياديهم. الأول هو رئيس الوزراء البرتغالي، البلد الذي خرج من الأزمة الاقتصادية التي كان يتخبط فيها؛ والثاني لا يحتاج لتعريف بالطبع. وواضح أن الفرق في الشهرة بين الرجلين كبير جداً.

كرة القدم فرضت نفسها بفضل بساطتها. فالجميع يستطيع فهم قواعدها، وممارستها لا تحتاج إلى معدات خاصة. فجميع محبي كرة القدم الهواة تقريباً سبق لهم أن لعبوها مستعملين قميصاً أو محفظة، أو غيرها لتحديد المرمى؟

وبعد أن رأت النور في إنجلترا، بدأت كرة القدم غزوها للعالم عن طريق البحر (فأولى الأندية الأوروبية المحترفة هي مدن ذات موانئ)، ثم عن طريق السكك الحديدية (بفضل المهندسين البريطانيين)، ثم الراديو، فالتلفزيون. وفي البداية، كان المسؤولون عن اللعبة يخشون أن يفرغ هذا الأخير الملاعب من الجمهور؛ ولكنه بالعكس خلق ملعباً بقدرات استيعابية غير محدودة: ما بين مليارين وثلاثة مليارات شخص من المتوقع أن يشاهدوا مباراة النهاية في كأس العالم 2018. ولكن كرة القدم تتميز عن العولمة بنقطة أساسية: فبينما تُتهم هذه الأخيرة بمحو الهويات الوطنية، فإن كرة القدم تعيد إحياءها؛ حيث تتوحد كل البلاد من أجل تشجيع المنتخب الوطني ومساندته، ناسيةً الانقسامات الإيديولوجية، والفوارق السياسية، والاختلافات الثقافية. وهذا يصدق أيضاً على الدول الفتية التي تسارع، فور نيلها الاستقلال، للحصول على مقعد في الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» وفي الأمم المتحدة. وبهذا، يمكن القول إن كرة القدم هي اللُحمة الجديدة للهوية الوطنية. وهكذا، فإلى العناصر الكلاسيكية المكونة للدولة – الأرض، الشعب، الحكومة – يمكن الآن إضافة: منتخب وطني لكرة القدم.

وفضلاً عن ذلك، فإن كرة القدم هي عنصر من عناصر القوة الناعمة والإشعاع الدولي. وإذا كانت القوة في المجال الاستراتيجي تخيف، بل وقد تتسبب في الرفض، فإنها في الرياضة بشكل عام، وكرة القدم بشكل خاص، تثير الاحترام والإعجاب. فقوتها لا تنفر، وإنما تجذب. ثم من منا يستطيع اليوم نفي الجوانب الجيوسياسية لكرة القدم؟ ليس فلاديمير بوتين، الذي يطمح إلى أن يجعل من كأس العالم 2018 واجهة لروسيا. وعلى الرغم من أجواء الحرب الباردة الجديدة، فإنه لن يقاطعها أي بلد، خلافاً للألعاب الأولمبية في موسكو 1980.

أما بالنسبة لشي جين بينغ، فإنه لم يعد يتحمل رؤية بلده، التي يراها تتحول إلى قوة عالمية أولى، قزماً في رياضة كرة القدم. وحسب هذا الأخير، فإن بكين لا يمكنها أن تظل في المراتب الأخيرة لتصنيف الفيفا وأن تتجاوزها اليابان وكوريا. وهذا هو رأي رئيس الدولة الحريص على إشعاع بلده أكثر منه رأي محب لكرة القدم يعشق اللعبة. وربما تقوم الصين بتنظيم كأس العالم 2030 وهي تهدف إلى الفوز به قبل 2050.