سمير عطا الله
لم تحظَ أديبة عربية معاصرة بالاهتمام الذي أحيطت به مي زيادة، صاحبة أشهر صالون أدبي في مصر وربما العالم العربي، على مرّ التاريخ. لم يكن مثار الاهتمام نتاجها الأدبي، القليل نسبياً، بقدر ما كان شخصيتها المحببة، ومن ثم مأساتها الكبرى عندما اتهمها أهلها في لبنان بالجنون وأودعوها مستشفى الأمراض العقلية طمعاً بميراثها.
كان آخر عملٍ أدبي عن حياة مي قبل أشهر، الرواية التي وضعها الجزائري واسيني الأعرج، مركّزاً بالطبع على العنصر الدرامي في تلك السيرة الحافلة. «الغريب» أن كل ما كُتِبَ عن مي كان انبهاراً أو إعجاباً أو حتى حباً. كما حدث بالنسبة لأشهر الموَلّهين الأستاذ عباس محمود العقاد، أو للشاعر ولي الدين يكن، أو لجبران خليل جبران، أو للشيخ مصطفى صادق الرافعي. «يحزنني» أن ثمة كاتباً واحداً رأى في مي زيادة ما يستحق الهجوم. أرجو أن تمهلوني في كشف الاسم كي نستعرض قبلاً عدد وأسماء العمالقة الذين كانوا يعتبرون الانتساب إلى ندوة مي، مساء الثلاثاء، بهجة من مباهج العقل وفرحاً من فرح الحياة. وأستند في ذلك إلى دراسة فائقة الدقة، كمثل جميع أعماله، لمؤرخ مصر الأستاذ وديع فلسطين نشرها في «وجهات نظر» عام 1999.
يقول المؤرخ، إن صالون مي كان يضم شعراء من أمثال إسماعيل صبري باشا، وصاحب «المقتطف» الدكتور يعقوب صروف، والشاعر خليل مطران، ورئيس تحرير «الأهرام» أنطون الجميل. وصف الشيخ مصطفى عبد الرازق القاعة التي كان يعقد فيها المنتدى قائلاً: «أما المنتدى نفسه فهو رحبٌ فسيحٌ تأنقت هي في اختيار أساسه، وظهر ذوقها السليم في الطرف المنثورة في جوانبه، والصور المعلقة على جدرانه». وكانت والدة مي السيدة زهرة معمر (وهي فلسطينية من الناصرة) ووالدها إلياس زاخور زيادة يستقبلان مرتادي الصالون، ويرحبان بهم ريثما توافيهم هي في أكمل هندامٍ، لتكرر الحفاوة بضيوفها. وكانت تدور عليهم بنفسها بأقداح شراب الورد، أو تقدِّم لهم القهوة والشاي. ضم المنتدى من النساء السيدة هدى شعراوي، وباحثة البادية الشاعرة ملك حفني ناصف، ونظلة الحكيم زوجة عميد الفلسفة والأدب الدكتور محمد مظهر سعيد. أما الأدباء فكان بينهم الأمير أحمد شوقي، والشاعر اللبناني شبلي الملاط، وشاعر الأقطار العربية خليل مطران، وشاعر النيل حافظ إبراهيم، والشاعر العراقي جميل صدقي الزهاوي، والعالم الزراعي السوري الأمير مصطفى الشهابي، والفريق أمين المعلوف باشا صاحب «المعجم الفلكي»، والدكتور أمير بقطر عميد كلية التربية في الجامعة الأميركية. ومن رجال الدين الشيخ محمد رشيد رضا، والشيخ مصطفى عبد الرازق الذي صار شيخاً للجامع الأزهر، وشقيقه الشيخ علي عبد الرازق صاحب كتاب «الإسلام وأصول الحكم».
إلى اللقاء...
التعليقات