علي الشريمي 

قبل أيام قلائل، سادت حالة من الاستياء والتذمر الشديدين بين مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي بعدما أطلق بعض الدعاة والأكاديميين الحاملين لحرف «الدال» بعض التغريدات التي تندرج ضمن التحريض وإثارة الفوضى. مغردو «تويتر» وجهوا سيلا من الانتقادات الحادة وطالبوا بمحاسبتهم كونهم يسعون إلى التأليب والتحريض. 


وإليكم بعضا من هذه التغريدات: «الغناء بريد الزنا»، مستشهدا بقول ابن تيمية «إن من أعظم ما يقوي الأحوال الشيطانية سماع الغناء والملاهي وهو سماع المشركين»، وتغريدة أخرى نشرها أحد الدعاة «إن هناك حربا شعواء على الدين». وهنا جاء التفاعل سريعا من مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو هيئة كبار العلماء الدكتور سليمان أبا الخيل، حيث أكد على التعامل بحزم وبما تنص عليه الأنظمة والتعليمات، وذكر أن هذا يعد تدخلا فيما لا يعنيه. وإن ما انتهجه عضو هيئة التدريس أبعد ما يكون عن النصيحة الشرعية التي سار عليها السلف الصالح والعلماء المحققون الأجلاء، وإن هذه الطرق المخالفة قد تستغل من المنتمين للفئة الضالة والخوارج والمنتمين لتنظيم جماعة الإخوان وأشياعهم وأضرابهم من أعداء الدين والدولة والوطن.
السؤال: هل تعد فعلا هذه التغريدات متطرفة وتدخل ضمن قائمة التأليب والتحريض على الدولة؟ للإجابة على هذا السؤال دعونا نسأل سؤالا آخر نوجهه لكل فرد من المسلمين: هل أنت متطرف؟ فالجواب سيأتي، بـ«لا»، وسيقول لك بكل ضرس قاطع أنا «وسطي»، وذلك استنادا إلى الآية الكريمة «وكذلك جعلناكم أمة وسطا..» الكل هنا يثبت وسطيته. فلو سألنا أحد القيادات الإرهابية: هل أنتم متطرفون؟ ستكون الإجابة وبدون تردد «لا» وسيبتسم قائلا: «إذا كنا نطبق شرع الله وسنة نبيه ونجاهد لإنقاذ الأمة من دنس اليهود والنصارى وتسمي ذلك تطرفا فسجل اسمي عندك أول المتطرفين!».
وكذلك عندما تسأل عن الحجاب فهذه المرأة التي تغطي جسمها ووجهها وكفيها تعتبر ذلك من الوسطية وأن المرأة المتطرفة هي المنقبة أو الكاشفة لوجهها وكفيها، وكذا الحال لو سألنا المحجبة المنقبة أو المحجبة الكاشفة لوجهها. الكل هنا يعد نفسه وسطيا وغير متطرف.


وكذا الحال عندما تسأل أحدهم عن الموسيقى والغناء سيثبت لك وسطيته بالأدلة القاطعة بأنهما من المحرمات، وأن من يجيزها هو المتطرف، وعندما تسأل آخر يجيز الغناء سيبرهن لك بأدلته أنها من المباحات وأن من يحرمها هو المتطرف، وهناك من يعبر عن وسطيته بأنه يستمع للموسيقى ولا يشتريها، فمن يستمع للموسيقى في نظره ليس متطرفا ولكن من يشتري «سي دي» فهو متطرف. إذاً لكل منا تقييمه الديني الخاص به من خلال اجتهادات علمائه ومراجعه وأصوله التي يستند إليها، وهنا تضيع الوسطية وسط تزاحم الوسطيات الأخرى.
ما هو الحل في هذه الفوضى؟ الحل لا أحد يملك الحق بفرض اجتهاده الخاص على غيره في ظل وجود دولة قائمة بمؤسساتها لها أنظمتها وقوانينها ولها اجتهاداتها، فنحن جميعا لا بد أن نحترم معاييرها مع احتفاظ الدولة لكل المواطنين بحرية النقد للأنظمة المطروحة، فمنطق الدولة هو منطق الكل فهو يرقى على كل الاجتهادات الشخصية، فمن أراد الاستماع للموسيقى فله الحرية بدون التعدي على مخالفيه، ومن أراد عدم الاستماع فله كامل الحرية دون التعدي على الناس ووصفهم بعبارات غير لائقة بأنهم يحاربون الدين، ولذلك جاء الرد سريعا وفي الوقت المناسب من قبل مدير الجامعة وكأنه يريد القول: لا صوت يعلو على صوت الدولة. نعم منطق الدولة وصوتها المعبر عن روح العصر أرفع من أن يقارن بميول واجتهادات هذه الفئة أو تلك الفئة.