& بول شاؤول


النُّخب الغربية، من أوروبية وأميركية ألغت الحدود بينها وبين المجموعات الشعبية، (أي العامة)، بأفكارها العنصرية، ومستوياتها الهابطة، وخيانتها لمنطلقاتها التنويرية (الموروثة من الثورة الفرنسية) وشعبويّتها، وهذا يعني أنها فقدت طليعيّتها، وتنكّرت لأدوارها، وقد ظهر ذلك تحديداً بتحويل الشعوب وحتى مكوّناتها مجرّد سلع.


ويكفي في هذا المجال تبيان مواقفها العدائية اللاعقلانية، بالإسلام ككل، عبر مسألة المهاجرين إليها، التي جعلتها «قميص عثمان»، وشعاراً لتعاملها الموضوعي. فهؤلاء وبكل أسف، أوقعوا مجتمعاتهم في ما يسمّى فكرة «التطييف»، أي الفئويّة الدينية والعنصرية، والإثنية، والكراهية، التي تهدّد الروابط الاجتماعية، والسياسية. فهؤلاء أولاً، تخلّوا عن مشاعر التسامح والاندماجية، وباتوا «يبشّرون» بأنَّ الإسلام هو العدوّ الأوّل، خالطين بين فئات وتنظيمات إسلامية أقلّوية وبين الإسلام ككل. فصحافي «الفيغارو» إريك زيمور يعتبر أن التطرّف الإسلامي هو جوهر الدين الإسلامي، حتى في القرآن، ليشمل بذلك، كل مسلم. ديانة من مليار شخص وضعوها في خانة الإرهاب والحقد والتعصّب. وقد شارك الفيلسوفان فانكلروت وبرنارد هنري ليفي في هذه الحملة (وكلاهما يهودي)، وساهما في تأسيس هذه الوجهة التي تبنّتها بعض الأحزاب كالجبهتين الوطنية (لوبان) اليمينية، وحزب «ميلانشوة» اليساري، ووقعت في فخاخهما أحزاب اليمين والاشتراكي، وصولاً إلى بعض العامة، كشعار سياسي – انتخابي، ظنّوا أنّه أكسبهم شعبية وارتفاع في منسوب حضورهم: فلوبان، -كليفي وفانكلروت- تعتبر أنّ المسلمين في فرنسا، يهدّدون الديمقراطية، وتقاليد الحياة الفرنسية، وتاريخها، راكبة موجة الشعبويّة وبثّ الأكاذيب. لكن هذا التوجّه الذي استهدف المسلمين، لم يتوقف هنا، بل ركب أيضاً صعود موجة العداء للسامية، والأجانب، والمهاجرين والأفارقة وحتى الكاثوليك، حتى بدا المجتمع الفرنسي مجرّد كانتونات منفصلة، متقوقعة، موسومة بالطلاق، وبالحقد المذهبي، والإثني، والسياسي، حتى رأى بعض المحلّلين أن فرنسا على حافة حرب أهلية.


ففرنسا اليوم تعيش عصراً انقساميّاً فاقعاً، حيث يعيش كل طرف من هذه الأطراف، في كانتونه المُغلق: اليهود في بقعة مغلقة، وكذلك الكاثوليك والأفارقة وصولاً إلى الضواحي. والغريب، أن هذه الحملات التي تحوّلت غريزية، أوقعت الحياة الاجتماعية في نوع من التقسيم الاجتماعي، وفي ما يسمى النبذ العنصري، والديني، فعندما يعتبر بعض هؤلاء النخبة أن «داعش» (من صناعة إيران)، وكذلك «القاعدة» هما الإسلام، هما وجه الإسلام القرآني، فيعني ذلك أن كلّ مسلم بات متّهماً بالإرهاب، وبأنّه قنبلة موقوتة في قلب العالم، أي أخذ المجموعات الكلّية بجريرة الأقلّية، ووسم الإسلام نفسه بالإرهاب والتطرّف. ونظنّ أنّ هذه النخب (من فلاسفة وروائيين (هولبيك)، وصحافيين، ظهر جهلهم بمضمون الإسلام، وبتاريخهم، وإنجازاتهم الحضارية: إنه لجهلٌ مُطبق، حتى حدت الكراهية الموتورة بعضهم إلى نفي أن العرب هم الذين نقلوا الفلسفة اليونانية إلى الغرب، وهذه حقيقة غير خاضعة للجدل والإشكال، بل إن هؤلاء لا يعرفون المرحلة الذهبية للمسلمين في العصرَين الأموي والعبّاسي، والتي كانت بغداد فيها باريس تلك المرحلة (منذ أكثر من ألف عام)، منفتحة على الآخر، متّسمة بالانفتاح. ألغوا إنجازات العرب والمسلمين في الأدب والفلسفة والطبّ والعلوم، وجرّدوهم من تلك الحداثة التنويرية التي وسمت مسيرتهم، بل راح بعضهم يصف العرب بالحُفاة، وآكلة الجراد، ليزيّفوا ذلك الواقع، بل توصّلوا إلى القول إنّ «العقل العربي» عاجز عن التحديث.
ونظن أنَّ هذه التوجهات تظهر أكثر فأكثر مدى انحدار المستويات الثقافية عند النخب، التي أدّت ببعضهم إلى جعل الانعزالية والتقوقع، شعاراً نقَلَ عنصريّتهم من العرب إلى المسلمين إلى أوروبا نفسها: رفض الدخول في الاتحاد الأوروبي، والمطالبة بالخروج منه، لأنه يهدّد ديمقراطيتهم، واقتصادهم. لا أوروبا لا المسلمون لا الأفارقة،.. وأخيراً اللاساميّة، ويكفي أن يشتم بعض عناصر «السّترات الصفر» الفيلسوف «فانكلروت» ويصفونه «بالصهيوني القذر»، وباليهودي القذر، لنعلم أنَّ العنصرية عندما تستهدف طائفة (بالمعنى السياسي والديني) تشمل الكلّ من غريب، أو غير فرنسي، من إثنيات أخرى، تصبح عدوى بلا حدود.


ويكفي أن نرى كيف هبّت السلطة الفرنسية بعد شتيمة «فانكلروت»، مستنكرة معاداة الساميّة (ومن قال إن الصهيونية هي اليهودية)، لإصدار قانون يمنع كل تعرّض لليهود الفرنسيين. هبّوا لنجدة الأقليّة اليهودية، عال، ولكن من يُنصف المسلمين ويُدافع عنهم، وهم لا ناقة لهم ولا جمل في الصراع الذي بدأ أو استمرّ بين بعض الفرنسيين والصهيونية... واليهودية!
إنه أكثر من تراجع. بل انحطاط. بل تنكّر لكل القيَم التي جعلت فرنسا أمّ التنوير في العالم. ونظن أن هؤلاء «المرضى»، لم يتأمّلوا زيارة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، إلى «أبوظبي» التي تحضن 200 جنسية، ومعانيها ودلالاتها... وتماثلها مع هذا البلد المنفتح والمتسامح.&

&

&

&

&