عبدالرحمن الطريري

في مايو الماضي حين حدثت الانتخابات النيابية في لبنان والعراق، كانت إيران تضع العين على احتمالية إعادة الرئيس دونالد ترمب للعقوبات وقد فعل، وبالتالي وضعت كل ثقلها للسيطرة على البلدين، بالإضافة لسوريا.


كان الهدف من ذلك حفر قناة تنفس للنظام الإيراني، على أمل أن يسهم هذا الإجراء مع إجراءات أخرى للالتفاف على العقوبات مع أوروبا والصين، في إبقاء النظام لمدة أطول من بقاء ترمب في المكتب البيضاوي.

في لبنان كان الوضع أسهل من العراق، لأن الحاكم الفعلي هو حسن نصر الله، والانتخابات لا تتجاوز كونها مكياجا للواقع اللبناني، وتعديل قانون الانتخابات أو حتى رفض التصويت في البرلمان على رئيس للجمهورية قبل أن يُحسم شخص الرئيس، هي آليات سيطرة وتوجيه حزب الله وباقي حلفاء إيران للإجراءات الديموقراطية.

لكن في العراق كان الوضع مختلفا على مستوى الانتخابات متقاربا على مستوى النتائج، فالشارع العراقي العروبي بشيعته قبل سنته، يرفض حالة الاستعمار التي مثلتها إيران منذ 2003، والتي أكمل عليها ميليشيات الحشد التي ظهرت بدعوى قتال داعش، وكان هدفها أن تبقى بعد أن يزول كتوأم سيامي للحرس الثوري.

حالة الغضب التي شهدتها البصرة وعدة مدن عراقية، وصولا إلى مهاجمة القنصلية الإيرانية، كانت الدافع في تغيير مسار نتائج الانتخابات إلى حد ما، لكن قاسم سليماني لم يبرح العراق إلا بعد أن تأكد أن حكومة عادل عبدالمهدي ستكون أكثر ولاء من حكومة نوري المالكي.

ولعل في اغتيال الصحفي العراقي «علاء مشذوب»، رمزية للخيارات الموجودة للسياسيين العراقيين، وعلى جانب آخر إيران تأخذ احتلال العراق على نحو جدي، وهو أكثر أهمية لها من سوريا ولبنان واليمن مجتمعة.

فالعراق لو أغلق حدوده مع إيران شهرا ومنع التبادل التجاري، سيهوي النظام الإيراني في سقوط حر، فالعراق بالنسبة لإيران أبعد من الحدود الممتدة إلى 1458 كلم، وأبعد حتى من كونه المعبر لسوريا، بل تعتبر إيران كل خيرات العراق حقا لها، والتنكيل بالشعب العراقي خاصة الشيعة تأكيد على أنها لا تنظر إليه بطائفية بل بعين القومية الفارسية.

ولعلنا نتذكر الحفل الذي نظمه تحالف البناء، حين طُلب من الحاضرين الوقوف دقيقة صمت تكريماً لأرواح «شهداء العراق»، خلال الاحتفال بذكرى يوم النصر على تنظيم «داعش»، فلم يكن من السفير الإيراني في بغداد، إيرج مسجدي، إلا أن قام من مكانه وخرج من القاعة بصورة مفاجئة.

وهذا ما يفسر زيارة محمد جواد ظريف ثم زيارة الرئيس حسن روحاني للعراق، رغم أن المعتاد أن يزور العراق الجنرالات من الحرس الثوري لا السياسيون، فهم في ذلك يرسلون رسالة للرئيس الأمريكي، فحواها «أنك زرت عشية أعياد الميلاد قاعدة عين الأسد، ولكن ما يخيف من الأسد مخالبه لا عيونه».

ولن يختنق كيان بحجم إيران كما تهدف العقوبات الاقتصادية ولديه نافذة بحجم العراق بكل خيراته، والرسالة الثانية للجوار العربي أنه لن يسمح للعراق بعلاقات وازنة مع محيطه العربي.

في العراق ذكر الرئيس روحاني تصريحين، يساعدان في فهم أسباب الزيارة والاتفاقيات التي تمت، الأول ذكر فيه أن العراق يرتبط بإيران بعلاقه دينية، وهذه رسالة للشارع الشيعي في العراق وغيره، وزيارته للمراقد لم تكن إلا سياحة محتل.

أما الرسالة الحقيقية فقال فيها، تربطنا مع العراق (علاقات بعمر 1600 سنة)، وهو عهد الاحتلال الفارسي للعراق حيث كانت «المدائن» جنوبي بغداد عاصمة لكسرى ملك الفرس.

ولكن شعب العراق الأبي علمنا عبر التاريخ، أنه باق والمحتل زائل، ولو بعد حين.

* كاتب سعودي
&