&FINANCIAL TIMES

لعبة الشطرنج .. مجرد بيدق في روليت الكرملين

&سام جونز&

في الـ11 من تموز (يوليو) من العام الماضي، توجّه بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، إلى موسكو للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
اختلفت الصحافة الإسرائيلية حول ما إذا كانت الرحلة الارتجالية هي من أجل مناقشات رفيعة المستوى حول الوضع الأمني في سورية وإيران، كما تمت إحاطتها رسمياً، أم مجرد عذر لحضور نصف نهائي كأس العالم لكرة القدم في ذلك المساء.
بغض النظر عن ذلك، عندما جلس الزعيمان معاً في الكرملين بعد ظهر ذلك اليوم، قبل أن يتوجه نتنياهو والوفد المرافق إلى جناح كبار الشخصيات في ستاد لوزنيكي، طرأت مسألة أخرى للنقاش.
في خضم الحديث عن عائلة الأسد وحزب الله، طلب بوتين من نتنياهو دعم إسرائيل لروسيا في الانتخابات المقبلة لرئاسة الاتحاد العالمي للشطرنج المعروف اختصاراً بـ"فيديه".
"تخيّلوا"، كما يقول مالكوم باين، أستاذ الشطرنج الدولي ومعلّق الشطرنج البريطاني، "لو تحولت زعيمة بريطانيا في اللحظة الحاسمة تماماً من المناقشات حول إبرام صفقة مع الاتحاد الأوروبي، إلى الرئيس الفرنسي ماكرون وقالت: "حسناً، يكفي الآن حديثا عن هذا "البريكست". أريد أن أتحدث إليك حول دعم مرشحنا البريطاني لاتحاد الشطرنج". لأن هذا هو في الأساس ما فعله بوتين".


على مدى عقدين من الزمن، كان اتحاد فيديه بمنزلة عدسة مميزة يُمكن من خلالها مشاهدة التيارات الجغرافية السياسية المتغيرة لنظام ما بعد الحرب الباردة: حيث تم إجبار الرئيس السابق صاحب المال كيرسان إليومينجينوف ذي النفوذ الكبير، على التنحي بعد أن عوقب من قِبل الحكومة الأمريكية لتحريض نظام بشار الأسد السوري، الأحدث في سلسلة من المداعبات الدبلوماسية التي كان اتحاد فيديه هو الستار لها.
إنه منظمة تشكل أنشطتها، بسخافة باهتة، عالم من بطولات الصالات الرياضية الجادة والمنافسة على مستوى الدول للنفوذ السياسي؛ عالم يسوده حكّام القلة غير المهمين فضلاً عن بعض المفكرين الأكثر تفرداً على الكوكب.
وهو أيضاً منظمة مزّقتها الحزبية المريرة والمشاكسة التي لا يُمكن تفسيرها إلا من خلال نقاط الضعف الخاصة بالرجال الذين يلعبون اللعبة: حيث تحولت عقول كبيرة إلى أشياء تافهة.
كانت روسيا تسيطر نوعاً ما على هذا الاتحاد منذ عام 1995. رحيل إليومينجينوف فتح باب رئاسة اتحاد فيديه على مصراعيه.


مُرشح بوتين المفضل لخلافته كان أركادي دفوركوفيتش نائب رئيس الوزراء الروسي في ذلك الحين، الذي كان قد ترأس اللجنة المنظمة لكأس العالم لكرة القدم. جهود موسكو لضمان فوزه برئاسة اتحاد فيديه لم تبدأ ولم تنته باجتماع نتنياهو.
هناك وثائق اطلعت عليها "فاينانشيال تايمز" ومقابلات مستفيضة مع أكثر من عشر شخصيات بارزة في عالم الشطرنج، تُظهر جهداً عالمياً منسقاً من جانب الدولة الروسية، من خلال سفراء وممثلي مصارفها وأكبر شركاتها، لكسب الأصوات من خلال وعود مالية وضغط سياسي.
يقول الكرملين في حين أن كبار أعضاء الحكومة الروسية أثاروا موضوع ترشيح دفوركوفيتش أثناء اجتماعات مع مسؤولين أجانب، إلا أنهم لم يسعوا للحصول على الأصوات بفعلهم ذلك.
بالنسبة إلى دولة روسية تركّز على صراع سياسي وثقافي وإعلامي شامل مع الغرب، فإن الحاجة إلى إعادة تأكيد حقها في حُكم لعبة الشطرنج، في الوقت الذي كانت فيه سمعة موسكو الرياضية في حالة يُرثى لها، كانت مع ذلك فرصة تكتيكية لا يُمكن تفويتها.
مع ذلك فإن هذا، في حد ذاته، ليس مجرد حكاية للتدخل الروسي: التكنوقراطي دفوركوفيتش اللطيف اعتمد على برنامج موثوق للإصلاح والانفتاح الذي لقي قبولا، لأنه وعد باستعادة مكانة اتحاد فيديه الدولية، بدلاً من تقويضها.
تكشف وثائق اتحاد فيديه أعواماً من الممارسات المالية غير السليمة، ما أثار المشكلات حول تدفق الأموال، من وإلى مسؤولي الاتحاد وشركات وصناديق ائتمان كطرف ثالث تُدار من قبلهم.
في واحدة من أغرب الانتخابات في تاريخ الأنشطة الرياضية، المرشحان الآخران كانا جورجيوس ماكروبولوس، نائب رئيس اتحاد فيديه لمدة 23 عاماً، برسالته الإصلاحية مهما كانت حقيقية، إلا أنها فشلت في تعويض مكانته كشخص مطلع في اتحاد فيديه طوال حياته المهنية، بعد أن لوثته الادعاءات بارتكاب مخالفات مالية؛ ولاعب الشطرنج البريطاني البارز نايجل شورت، إلا أن ميله إلى كسب الحجج وخسارة الأصدقاء وضعه بقوة في دور شخص خارجي.
في النهاية، فاز رجل بوتين. لا يوجد جانب من الحكاية يظهر بشكل نظيف، كما قال لاعب الشطرنج السوفياتي بوريس سباسكي بسأم لطيف في ريكيافيك في عام 1972، بعد تلقي آخر هجوم صبياني من خصمه الأمريكي بوبي فيشر: "هذا يتعلق بكل شيء ما عدا الشطرنج".
دور اتحاد فيديه باعتباره الحكم الوحيد للشطرنج خرج من أزمة. منذ أن تفوّق إيمانويل لاسكر العظيم على فيلهيلم شتاينتز في عام 1894، تم تمرير لقب بطل العالم من خلال عملية تحد بسيطة: أيّاً كان الذي يتغلب على البطل الحالي يأخذ لقبه.
في عام 1946، توفى بطل العالم المُسيطر ألكسندر ألكين وهو منشق سوفياتي في ظروف غامضة في إستوريل. باعتباره لم يُهزم عند وفاته، لم يكُن من الواضح إلى من ينبغي تمرير لقب ألكين. عندها دخل في الفراغ الاتحاد الدولي للشطرنج، وهو واحد من عدة هيئات حاكمة في ذلك الوقت.
اليوم، اتحاد فيديه هو الهيئة الحاكمة للشطرنج العالمي بالطريقة نفسها التي يحكم فيها اتحاد الفيفا كرة القدم، فهو ينظم بطولات عالمية والألعاب الأولمبية للشطرنج التي تُقام كل عامين وهي بطولة ضخمة قائمة على الفِرق لتحديد البلد الذي سيكون الرائد عالمياً في الشطرنج.
كما يُحدد أيضاً قواعد اللعبة ويمنح ألقاب بطل الشطرنج الأول، وبطل الشطرنج الدولي وبطل الشطرنج، للاعبين في جميع أنحاء العالم، فضلاً عن حساب التصنيف العالمي لجميع اللاعبين. وفي كل أربعة أعوام، ينتخب رئيسا له، عبر عقد مؤتمر عام.
كان الشطرنج حجراً أساسياً في الحياة السياسية الروسية منذ حقبة الاتحاد السوفياتي. لينين وتروتسكي صقلا مهارتهما في صالونات أوروبا أثناء فترة نفيهما الطويلة ("هذا برونشتاين من غرفة الشطرنج!" كما صاح النادل المسؤول عن مقهى سنترال في فيينا، عندما شاهد تغطية دور تروتسكي في الثورة الروسية في الصحيفة).
في عام 1924، أعلن نيكولاي كريلينكو، قائد الجيش الأحمر، أن اللعبة نموذج مثالي للإنسان السوفياتي الجديد. خلال الحرب الباردة، أصبحت لعبة الشطرنج الوكيل المثالي للقوة السياسية الروسية، حيث وصلت ذروتها في المواجهة بين فيشر وسباسكي، التي أُطلق عليها اسم "لعبة القرن".
انتصار فيشر صادف أيضاً أنه لاعب ذو عبقرية خام وجريئة، ما أثار الأمور التي على المحك بالنسبة لأفراد الشرطة السرية الروسية، حيث إنه تحدى مفاهيم السيادة السوفياتية الطبيعية في كل المجالات، وبالذات في لعبة الشطرنج. اللعبة أصبحت ساحة معركة واتحاد فيديه كان هدفاً لاختراقه من قبل "كيه جي بي" شرطة أمن الدولة (المخابرات السوفياتية).


الفلبيني فلورينسيو كامبومانيس كان أول رئيس يُصبح مصدر قوة للمخابرات السوفياتية وذلك وفقاً للمُقدّم السابق في "كيه جي بي" فلاديمير بوبوف؛ كامبومانيس رد مساعدة المخابرات السوفياتية لضمان انتخابه، عندما تدخل بشكل مُثير للجدل لفرض التخلي عن إقامة مباراة بطولة عامي 1984 و1985 بين جاري كاسباروف وأناتولي كاربوف، وبالتالي الحفاظ على مكانة الاتحاد السوفياتي المفضلة كبطل للعالم.
إليومينجينوف غريب الأطوار حل محل كامبومانيس في عام 1995. بوريس يلتسين المُدمن الذي كان يتعافى في العزلة الرئاسية لمصحة بارفيخا، منح ختمه الرسمي بالموافقة عن طريق الهاتف، وروى إليومينجينوف لاحقاً قد طُلب منه "وضع العلم الروسي فوق الاتحاد".
في البداية، كانت علاقة إليومينجينوف هشة مع موسكو. عندما كان رئيساً لجمهورية كالميكيا المتمتعة بحكم شبه ذاتي في جنوب روسيا، قاد محاولة فاشلة للانفصال عن الوطن الأم.
مع صعود النزعة "البوتينية"، تقلّصت المساحة أمام الرؤساء الإقليميين، وحكّام القلة المالية والمسؤولين في روسيا للسعي وراء مصالحهم الخاصة. سفر أليومينجينوف العالمي الدؤوب من أجل اتحاد فيديه بدأ يتخذ مسحة أكثر شراً.
في اليوم التالي لقيام الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن بإصدار إنذار لصدام حسين بمغادرة العراق في آذار (مارس) من عام 2003، كان إليومينجينوف في بغداد، يلعب الشطرنج مع عدي، ابن صدام. كانت طائرته واحدة من آخر الطائرات المستأجرة التي خرجت من مطار صدام الدولي، قبل أن تبدأ العمليات العسكرية من قِبل القوات الأمريكية وقوات التحالف.


عندما بدأ قصف حلف النيتو تحويل موجة الحرب الأهلية ضد القذافي في ليبيا عام 2011، كان إليومينجينوف هناك أيضاً يلعب الشطرنج مع الديكتاتور المريض. على أن رحلات الروسي إلى سورية هي التي أدت إلى سقوطه. في الـ25 من تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 2015، وضعته وزارة الخزانة الأمريكية ضمن قائمتها للعقوبات الرسمية بسبب "المساعدة الجوهرية" لنظام الأسد.
إليومينجينوف، الذي رفض التحدث إلى "فاينانشيال تايمز" من أجل هذه المقالة، دائماً ما ينفي بشدة المزاعم الموجّهة ضده.
وفقاً لكبار الدبلوماسيين الغربيين، كشفت عمليات التنصت أن إليومينجينوف كان قد أسس مصرفاً في روسيا، لمعالجة المدفوعات بالنيابة عن الوسطاء السوريين الذين يعملون لمصلحة عائلة الأسد.
بالنظر إلى خلفيته، قال أولئك المسؤولون إن من غير المتصور أن مثل هذه الأنشطة لم تتم بقدر من التنسيق، إن لم تكُن بتوجيه مباشر، من قِبل أجهزة الأمن الروسية.
رحلات إليومينجينوف السابقة كانت تحمل السمة السيئة نفسها، حيث قالوا: ربما كان بمنزلة قناة خلفية للقذافي وعائلة صدام حسين نيابة عن المخابرات الروسية لاختصار الطريق على المحاولات الغربية لتغيير النظام، من خلال نقل الديكتاتوريين المشاكسين بسرعة وسرية، إلى التقاعد في منازل ريفية منعزلة خارج موسكو.
بحلول شباط (فبراير) من عام 2018، مع فرض العقوبات الأمريكية ضده، بات لا يمكن الدفاع عن موقف إليومينجينوف في اتحاد فيديه: المصرفيون السويسريون في الاتحاد، خوفاً من الذراع الطويلة للانتقام المالي الأمريكي، أغلقوا ببساطة حسابات اتحاد فيديه. وصوّت مجلسه بمنع إليومينجينوف من الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.
في أواخر عام 2017، تم استدعاء جورجيوس ماكروبولوس نائب رئيس اتحاد فيديه إلى الكرملين أُخذ هاتفه منه واحتُجِز في قفص فاراداي – وهي ممارسة أمنية قاسية لمعظم الأشخاص الذين يجتمعون مع شخصية مهمة في التسلسل الرئاسي الروسي مثل ديمتري بيسكوف.
يُشار إلى بيسكوف، باعتباره دبلوماسيا وذا خلفية كخبير في الشأن التركي، وعادةً ما يشار إليه في الغرب، باعتباره المتحدث الإعلامي لبوتين. دوره كنائب لرئيس الإدارة الرئاسية يجعله أيضاً أحد أقوى ممارسي السلطة التنفيذية في روسيا.
كما كان يتم منح الأعضاء السابقين في المكتب السياسي السوفياتي مجالات اهتمام خاصة "للتنسيق"، مع شخصيات في إدارة بوتين يمارسون أحياناً نفوذاً خفياً في مجالات ليست بالضرورة ضمن صلاحياتهم الرسمية. بيسكوف يراقب الشطرنج بحماس من بين اهتماماته الكثيرة.
حين تعُد أعضاء مجلس الأمناء في اتحاد الشطرنج الروسي، الذي يرأسه، فإنك تفهم المكانة الخاصة التي تتمتع بها اللعبة في الحياة السياسية الروسية.


من بين أعضاء المجلس يوجد الملياردير جينادي تيمشينكو، شريك بوتين السابق في لعبة الجودو وهو من أقدم المؤتمنين على أسرار الرئيس وأكثرهم ولاء؛ وسيرجي شويجو، وزير الدفاع؛ وألكسندر ديوكوف، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة جازبروم وهي شركة تابعة لمجموعة الطاقة العملاقة التابعة للدولة؛ وكونستانتين إرنست، رئيس محطة التلفزيون الحكومية الرئيسة في روسيا، القناة الأولى؛ وأخيراً، سيرجي سوبيانين، عمدة موسكو.
لعبة الشطرنج جزء حيوي من مستودع القوة الناعمة في روسيا. في الوقت الذي وصل فيه ماكروبولوس إلى موسكو، كانت عالقة في أزمة. بعد الكشف عن الاستخدام المنتظم للمنشطات على كل المستويات النظامية برعاية الدولة، تم منع الرياضيين الروس من التنافس تحت علم بلدهم.
مكانة روسيا في عالم الشطرنج لم تفعل شيئا يذكر لإزالة صورة التراجع هذه. من الألعاب الأولمبية للشطرنج البالغ عددها 36 التي تُقام كل عامين، التي عُقدت منذ عام 1950، الاتحاد السوفيتي وروسيا فازا بـ24 بطولة.
في آخر مرة فازت فيها موسكو بالجائزة الكبرى كانت في عام 2002. على أن الصين هي الحائزة على ألقاب البطولة، أخيراً.


"في الوضع الحالي حيث تحوّلت المنافسة الجغرافية السياسية بعيداً عن ساحة المعركة وإلى كل مجال آخر، من الاقتصاد إلى الثقافة إلى الرياضة، عندها أينما وجدت مسابقة، تشعر روسيا أنها قد تحظى فيها بفرصة، فإنها تريد أن تكون هناك وتريد أن تكون الفائزة"، كما يقول مارك جاليوتي، وهو خبير بارز في سياسة القوة الروسية وزميل مشارك أعلى في معهد الخدمات المتحدة الملكي في بريطانيا، وهي مؤسسة فكرية للدفاع والأمن.
على هذه الخلفية، فقدان السيطرة على اتحاد فيديه لم يكُن ببساطة خياراً. إذا كانت الحكومة قد وضعت في الأصل خطة، فإن بيسكوف لم يكشف عنها لماكروبولوس في ذلك اليوم.
في الواقع، كان اليوناني يعمل في الأصل على مخطط له. وأعرب عن أمله في إقناع رئيس اتحاد شطرنج آسيوي، بالترشح.
من شأن ذلك أن يجلب رعاية بالملايين، وينأى بنفسه عن توريط اتحاد فيديه في الشؤون الدبلوماسية المشبوهة، ويسمح لماكروبولوس من الناحية العملية بمواصلة إدارة شؤون المنظمة اليومية، باعتباره الرجل الثاني في الاتحاد.
إلا أن مخططه تفكك بالسرعة نفسها التي وُضع فيها. في شباط (فبراير) من العام الماضي، اجتمع ماكروبولوس وأكثر من 20 مسؤولا آخرين في اتحاد فيديه ورؤساء الاتحاد في آسيا، لإعلان مرشح في إعلان يهدف إلى إحباط آمال المرشحين الآخرين المفترضين.
قبل عدة ساعات من موعد الترشيح، قال المرشح الآسيوي لماكروبولوس إنه لن يخوض الانتخابات.
قبل ذلك بشهر، كان كيرسان إليومينجينوف قد علم بالخطة وسافر إلى عاصمة خليجية ليطلب من وزير الرياضة فيها، إعادة النظر في ترشيح ما. وفقاً لأعضاء في فريق ماكروبولوس ومسؤولين حاليين في اتحاد فيديه، ضغط إليومينجينوف أيضاً عبر قناة ثانية أكثر غرابة: حاكم جمهورية الشيشان مُداعب القطط الذي ينقل رشاشات الكلاشينكوف.
قرر ماكروبولوس أن الطريقة الوحيدة للحفاظ على نفوذه في اتحاد فيديه، هو مسار اعتقد أنه أفضل للمنظمة، أي الترشح للرئاسة بنفسه.
بعد مضي شهرين على الانتخابات، التقيت ماكروبولوس في مكتبه في اتحاد الشطرنج اليوناني، تماما قبالة أحد الطرق غير المحببة في أثينا.
في ختام حديثنا المقتضب الاستهلالي، تناول السيجارة الثانية وجلس في المقعد المقابل لي. لم يكن أي أحد أقرب من الأعمال الداخلية الخاصة بالاتحاد من ماكروبولوس، بطل الشطرنج الوطني لسبع مرات في اليونان، الذي بدأ حياته المهنية في الاتحاد عام 1986. بالنسبة إلى مؤيديه، هذا هو الرجل الذي أبقى العرض قائما.
وهو يعترف أن الفساد كان منتشرا في كل مكان في الاتحاد، لكنه دائما ما كان بريئا من كل ذلك الفساد. أتساءل إن كان هذا هو السبب في خسارته.
يهز كتفيه قائلا: "لا. هذا بالطبع أحد الأسباب. لأنه إن كان باستطاعة أحد المرشحين إنفاق المال بلا حدود خلال فترة الانتخابات في ذلك الحين ... عندها ... أما السبب الثاني فهو أننا قررنا عدم استخدام الضغط السياسي للضغط على الاتحادات والمندوبين".
في عملية انتخاب رئيس لاتحاد فيديه، يحصل كل اتحاد وطني على مندوب واحد وصوت واحد – وهو نظام ينشئ مسابقة متكافئة للجميع، بحسب ما يقول النقاد، إلا أنه يؤدي أيضا إلى بعض التشوهات الغريبة: اتحادات صغيرة، بعضها ليس أكبر من ناد في قرية تحظى بوزن مماثل للاتحادات ذات العضوية والميزانيات الضخمة، مثل الولايات المتحدة وروسيا.


من بين الاتحادات التابعة لفيديه البالغ عددها 189، بحسب ما يقول ماكروبولوس، "تعرض أكثر من 120 اتحادا لضغوطات، إما بشكل مباشر، من قبل السفارات الروسية، أو من خلال وزراء الرياضة، أو حتى وزراء الشؤون الخارجية".
استطاعت صحيفة فاينانشيال تايمز إثبات بعض من هذه الادعاءات. على سبيل المثال: تم تمرير رسالة رسمية من السفارة الروسية في برازيليا، عن طريق وزارة الخارجية البرازيلية، إلى اتحاد الشطرنج البرازيلي في الثاني من آب (أغسطس) عام 2018. تنص المذكرة على ما يلي: "روسيا معترف بها على نطاق دولي على أنها بلد يحظى بتقليد عظيم في لعبة الشطرنج".
تواصل الرسالة قولها: "تعتقد روسيا أن الخبرة والكفاءة التي يحظى بها أركادي دفوركوفيتش، إضافة إلى ما لديه من شبكة اتصالات واسعة النطاق، ستشكل إسهاما كبيرا لمستقبل فيديه"، حيث تعرض احتمال تقديم تعزيز تمويلي لا يستهان به.
تم إرسال مذكرات مماثلة من قبل السفارات الروسية في أماكن أخرى من العالم. كما كانت السفارات نشطة أيضا في الاتصال مباشرة باتحادات الشطرنج ومندوبيها.
وفقا لماكروبولوس، تلقت "عشرات" الاتحادات أيضا الهدايا والحوافز. كرئيس للجنة المنظمة لكأس العالم لكرة القدم في روسيا في ذلك الصيف، كان دفوركوفيتش قادرا على ترتيب الأمور، من أجل انطلاق الداعمين المحتملين لمشاهدة تنافس الفرق الوطنية التابعة للاتحاد. أكد عدد من مندوبي فيديه أن لديهم تذاكر للمباريات.


كانت هناك أيضا عروض مكشوفة لتقديم مساعدات مالية. في الفترة التي سبقت إجراء الانتخابات في باتومي، جورجيا، تلقت بعض الاتحادات رسالة عبر "واتساب" من بيريك بالجاباييف، مساعد سابق لإليومجينوف ويعمل الآن لدى دفوركوفيتش.
احتوت الرسالة على نص عام للجميع، ليتم إرسالها إلى عنوان محدد في "جازبروم بنك"، للحصول على المال.
تنص الرسالةعلى: "الزملاء الأعزاء، يطلب منكم اتحاد الشطرنج (اكتب اسم البلد) قبول رعاية المباريات. وهم يطلبون (يتم إدراج المبلغ)، ليتم إنفاقه على (تستطيع اختيار "مؤتمر الشطرنج" أو "بطولة الشطرنج" أو "الشطرنج في برنامج المدرسة" إلخ). إليكم متطلبات الاتحاد: (إدراج البنك/الحساب/ الرقم/ إلخ). شكرا لدعمكم السخي".

&