في الماضي لم تكن في الرباط سوى مطاعم عربية قليلة، هي في الأصل إما لبنانية وإما مصرية، الآن تتناثر واجهات المطاعم السورية، مضيئة مثل حبات اللؤلؤ وسط أشهر أحياء المدينة، حاملة عناوين مترعة بالحنين إلى الشرق العربي، ومن بينها «يا مال الشام» و«أهل الشام» و«أبطال الشام» وغيرها.

هذه الطفرة في انتشار المطاعم السورية بمذاقها ونكهتها وأجوائها العربية يراها البعض إفرازاً طبيعياً للنزوح من سوريا في زمن الحرب، فراراً من لهيب جحيمها، الذي لا يرحم لا صغيراً ولا كبيراً.

وانتشار المطاعم السورية بات ظاهرة ملحوظة لا تعني الرباط وحدها فقط بل تمتد لتشمل المغرب كله، وبخاصة في المدن ذات الكثافة السكانية، مثل الدار البيضاء وطنجة وأكادير ومراكش، لدرجة أن بعض الإحصائيات تشير إلى وجود أكثر من 500 مطعم مختص في الأكل السوري.

لعل أول ملاحظة يسجلها المتردد على هذه الأماكن التي تعبق روائحها بنكهة الشرق، هي إقبال المواطنين عليها بكثرة، شباباً ورجالاً ونساءً وأطفالاً، وباتت مألوفةً رؤيتهم واقفين في الصف انتظاراً لدورهم أمام مطعم «يا مال الشام»، وهو من أقدم المطاعم في الرباط، في شارع المغرب العربي.

وبعض السوريين من أصحاب هذه المطاعم يحملون مؤهلات عليا، ومن بينهم غياث الكسم، الحائز على دكتوراه في الهندسة من ألمانيا، والأستاذ السابق في جامعة دمشق، وهو الآن شريك لمحمد التوت في امتلاك مطعم «شاورما أبطال الشام» في حي أكدال.

يقول الكسم لـ«الشرق الأوسط» إن نجاح المشروع دفعه وشريكه السوري في المدة الأخيرة، إلى فتح فرع ثانٍ للمطعم وسط مدينة الرباط، ضمن خطة تروم مستقبلاً إنشاء سلسلة مطاعم بنفس الاسم في مدينتَي الدار البيضاء ومراكش.

ومن خلال تجربته يرى الكسم أن ما يجذب المواطنين المغاربة إلى المطاعم السورية ليس الأكل الجيد المتنوع، والأسعار المعتدلة، والاستقبال الحسن فقط، بل شعورهم أيضاً بالراحة النفسية، وسط ديكورات تحيل على أجواء الشرق، وتتردد في خلفياتها موسيقى تراثية عربية أصيلة.

بالنسبة إلى رغبات الزبائن المغاربة، يرى الكسم أن كل أصناف الأكلات السورية مطلوبة باستمرار، وفي طليعتها المقبلات والشاورما والفلافل والمشويات والحمص بطحينة والتبولة والفتوش وغيرها، إضافة إلى الحلويات الشامية بأنواعها، وكذا العصائر، خصوصاً عصير الليمون الحامض بالنعناع.

ويؤكد المتحدث ذاته أن مكونات الوجبات السورية، من لحوم وخضر وفواكه، مشتراة من أسواق المغرب بما في ذلك البهارات والتوابل، بما يعني عدم استيراد أي شيء من الخارج، مشيراً إلى أن الطاقم متكون من 55 عاملاً مغربياً من بينهم أربعة سوريين، «وبعض المغاربة صاروا طهاة متفوقين في الطبخ السوري بفعل الاحتكاك اليومي والتجربة العملية».

ويرى شريكه محمد التوت أن الأسعار المعقولة والخدمات الجيدة والوجبات المتنوعة وشروط الاستقبال كلها عوامل جذب للزبائن، باختلاف مستوياتهم الاجتماعية، سواء كانوا موظفين أو طلبة أو عمالاً.

أما مازن الشامي صاحب مطعم «شاورما مازن الشامي»، فيختصر سر إقبال الناس على الأكل السوري في انفتاح المغاربة على مختلف الثقافات، وشهرة المطبخ السوري في العالم، وحرص الرجل الشرقي على إتقان عمله بشكل جيد.

تقول إحدى الزبونات إن ما يشجعها وعائلتها على التردد على المطاعم السورية، هو ما يتصف به الطهي السوري من لذة وغنى وتنوع، ومعاملة لطيفة، وإحساس بالارتياح لنوعية الأكل وقدرته على الإشباع، علماً بأن ثمن وجبة عشاء متكاملة للعائلة قد لا يتعدى 200 درهم (20 دولاراً).

&