&زهير الحارثي

عامان من الإنجازات والمنجزات وبهدوء ووفق الخطة الموضوعة رغم حجم التحديات ومخاض المتغيرات وتسارعها، إلا أن الثبات في السير إلى الأمام بقي راسخاً وسيبقى..

كان محقا دينس روس مستشار البيت الأبيض السابق عندما قال: لولا الصراعات في المنطقة، لأصبح ما يجري في السعودية من تحولات هو قصة الشرق الأوسط. الحقيقة أن الدساتير لا تعاني كثيرا في الأنظمة الملكية؛ كونها الأكثر استقرارا وسلاسة ولا سيما حين انتقال السلطة. ولو عدنا بالذاكرة لعامين مضيا بما أننا نحتفل بذكرى البيعة الثانية لتولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، لتبينت لنا الطريقة اللافتة في تعيين الأمير، التي تمت بموافقة أغلبية هيئة البيعة بعدد أصوات غير مسبوق، ما يعزز الثقة بمؤسسة الحكم، ويعكس مدى الاحترام والثقة بإمكانات الأمير الشاب والرهان على جهوده لتدشين مرحلة جديدة.

جاء محمد بن سلمان في اللحظة التاريخية المناسبة لبلادنا من أجل نقلها لمرحلة جديدة وضرورية، بغض النظر عن تداعياته الآنية؛ لأن كل تغيير لا بد له من ضريبة، وهذا طبيعي، ولكن مردوده سيكون إيجابيا خاصة على المديين المتوسط والبعيد. كان بإمكان القيادة عدم اتخاذ قرارات صعبة، والادعاء بأن الأمور على خير ما يرام، ولكن القيادة لا ترضى بذلك، بل تضع مصلحة البلد ومستقبل الأجيال المقبلة في المقدمة. كانت السعودية توصف بأنها دولة شديدة المحافظة، إلا أنها تعيش اليوم حراكا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا إدراكا من صانع القرار أن ذلك يمثل ضرورة استراتيجية. قرار التحول يُعد أهم قرار؛ لأنه يعني السيرورة كدولة، وتثبيت سلطة الحكم، وتعبيد الطريق للأجيال القادمة، بدليل أن الملك كلف ولي العهد للقيام بمهمات لوضع بلاده على الخريطة الدولية بالاستفادة من مقوماتها وإمكاناتها. عامان من الإنجازات والمنجزات وبهدوء ووفق الخطة الموضوعة رغم حجم التحديات ومخاض المتغيرات وتسارعها، إلا أن الثبات في السير إلى الأمام بقي راسخاً وسيبقى.

تمضي السعودية في حياتها الاعتيادية بانسيابية رغم ما يحيط بها من أحداث ومخاطر، وتسير بثبات إلى الأمام، بدليل استشراف المستقبل الذي يكرسه الملك سلمان، مراعياً الاستحقاقات المقبلة. خلال الأشهر الماضية بادرت الدولة باتخاذ قرارات مهمة وليست يسيرة، منها ما هو داخلي، وما هو مرتبط بملفات خارجية لحماية أمنها واستقرارها ومصالحها العليا. تبين أن القرار السياسي كان وما زال يهدف إلى تأسيس دولة حديثة وراسخة، عبر المحافظة على المكتسبات، ودمج الكفاءات والقدرات لخلق صيغة موائمة تقود البلاد لبر الأمان.

رؤية 2030 جاءت كضرورة ومتطلب حتمي وليست شعارا دعائيا أو ترفا. هذه الرؤية شملت خططاً واسعة وبرامج اقتصادية واجتماعية تنموية تستهدف إعداد المملكة للمستقبل؛ ويأتي ضمن أولوياتها تحسين مستوى الأداء للقطاعين الحكومي والخاص، وتعزيز الشفافية والنزاهة، ورفع كفاءة الإنفاق لرفع جودة الخدمات المقدمة بما يحقق الرفاهية للمواطن. كما تستهدف هذه الرؤية رفع نسبة الصادرات غير النفطية، ورفع نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والانتقال إلى مراكز متقدمة في مؤشر التنافسية العالمي، وتخفيض معدل البطالة، وزيادة الطاقة الاستيعابية لاستقبال ضيوف الرحمن، وزيادة الإيرادات غير النفطية، ورفع نسبة تملك السعوديين للمساكن، ورفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل. الغاية هي التأقلم مع الجديد، وتجاوز الهواجس والشكوك والجمود، من خلال مشروع حضاري ينقل البلاد إلى موقع يليق بها. إذن؛ هو تحول فعلي وحقيقي وجاد لإصلاح جذري؛ أي إنتاج وعي ثقافي وتنموي في المنظومة الاجتماعية بما يحقق التطلعات. التوجه الجديد للدولة واضح، والإرادة السياسية عازمة على المضي فيه، فالقطار غادر المحطة، ولا نية للتراجع مهما كان من أمر، فالمسألة حسمت؛ لأنه هكذا تُدار الدول وتُحكم؛ حيث التخطيط السليم لحياة طبيعية ومستقبل مشرق للوطن وأجياله.

التحديث هو العنوان الكبير لكل ما يجري، وبالتالي فرض منطق الدولة التي ترى شيئا قد لا نراه. الطموح يعانق عنان السماء. ولعلنا نستثمر التنوع المذهبي والثقافي والاجتماعي والرصيد التاريخي الذي نملكه ونوظفه لمصلحة بلادنا، خاصة أن تجديد البيعة مناسبة وطنية، نعزز فيها الانتماء والولاء والحب لهذا الوطن الكبير، قرارات تخرج علينا ما بين الفينة والأخرى تشعرنا بأن بلادنا تتشكل من جديد، وبأننا في اتجاه دولة مدنية لا تختلف عن الأخريات. والحقيقة أنها فعلا تتغير!