عبدالله بن بخيت

ما يجري في السودان والجزائر واليمن وسورية والصومال وليبيا لا يوجد فيه أي مؤامرة أجنبية، كل هذه المشكلات ثمرة للأوهام الكبيرة.

استطاع إعلام جمال عبدالناصر أن يرسخ في عقولنا كلمة الوحدة حتى أصبحت هدفاً مقدساً، مجرد مناقشتها كفر بواح، لا أحد يجرؤ على المطالبة بأن يستقل المتحاربون كل بدولته وأرضه، بقاء شعوب أو طوائف لا يجمعهم سوى ادعاءات أيديولوجية لا يمكن أن يحقق سلاماً أو تقدماً أو استقراراً.

كثير من منظري الوحدة يدعون أن الأوروبيين توحدوا رغم اختلافاتهم الثقافية والأيديولوجية واللغوية والدينية والتاريخية والأحقاد بينهم. يخرج إلينا من يقول إن أوروبا أزالت الحواجز والجوازات والحدود بينها وأصبح المواطن الأوروبي مواطناً في كل دول الاتحاد، لا يرى هؤلاء التاريخ المرير الذي دفعهم إلى هذه الوحدة، الوحدة بين فرنسا وألمانيا هي الحل الوحيد لحل النزاع المدمر بين الشعبين، الوحدة الاقتصادية على وجه الخصوص هي الخيار الوحيد لحماية الشعبين من حرب سوف تزيل الشعبين من الوجود.

نضج الشعوب الأوروبية أو التعقل الذي يسمهم الآن لم يأتِ مجاناً أو عبر نصائح أو محاضرات أو دعاوى دينية أو أيديولوجية. دفع الأوروبيون ثمنه مئات الملايين من شعوبهم، كل&متر من القارة الأوروبية سالت عليه دماء عشرات من الضحايا من مدنيين وعسكريين. عدد قتلى الحرب العالمية الثانية من الشعوب الأوروبية أكثر من عدد قتلى العرب والمسلمين في كل حروبهم منذ حرب البسوس إلى يومنا هذا، الوحدة هي الخيار الوحيد والأخير وما سواه زوال الشعوب الغربية عن وجه الأرض.

عندما أطلق جمال عبدالناصر وغيره من الوحدويين دعاواهم الوحدوية لم يجدوا سبباً سوى بعض الكلمات الفارغة من المعنى عزة كرامة، لك أن تتخيل أن شعار حزب البعث العربي الاشتراكي يقول (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة). منذ أربعين سنة وأنا أحاول أن أعرف هذه الرسالة الخالدة دون جدوى.

ثمة مثل شعبي سعودي يقول: (طاح العريان على المتويزر)، إذا أردت أن توحد بين سورية والعراق -على سبيل المثال- ما الذي سيجنيه أي من الشعبين، كل ما في الأمر أن الصراع بين السنة والشيعة والأكراد الدائر في العراق سيضاف إليه صراع مع العلويين والدروز. مضى على الوحدة بين اليمنيين أكثر من عشرين سنة لم يعقد أحد مؤتمراً يقيم فيه ما الذي جناه الشعبان من هذه الوحدة التي فرضها علي عبدالله صالح بالدبابة.

الوحدات بين الدول إما أن تفرض بالقوة أو أن تقوم على المصالح. لا تقوم الوحدة بين الشعوب على العقائد أو على الأوهام.