& فـــؤاد مطـــر

&في الوقت الذي بلغت فيه حالة الإحباط في معظم الأوساط اللبنانية ذروتها؛ بما في ذلك اتساع مساحة هذا الإحباط في «لبنان حزب الله» الناشئ عن نضوب نسبي متدرج في الواجبات الإيرانية، وعقوبات شملت بعض ينابيع بحيرة الاحتياط التي كانت تسقي القواعد الحزبية في ساعات الشدة... في هذا الوقت يحط وفد من مجلس الشورى السعودي الرِحال في بيروت زائراً محباً لهذا الوطن الذي لا تستقر له حال. ويتوِّج هذا الوفد الذي ترأسَّه صالح بن منيع الخليوي سنتين من البذل الراقي من جانب الدبلوماسية السعودية في شخص سفير المملكة لدى لبنان وليد بخاري لإبقاء العلاقات في منأى عن التوترات واعتماد مبادرات ذات طابع ثقافي ومجتمعي وزيارات شملت معظم المناطق اللبنانية، فضلاً عن متابعة لأحوال «لبنان النزوح السوري» وتخفيف معاناة العائلات النازحة التي كانت لها الأولوية في حملة إغاثة الملك سلمان.
كان ضجيج التصريحات والاحتجاجات في شأن الميزانية، والمخاوف من بلوغ الأزمة الأميركية - الإيرانية مشارف الحرب، مزدهراً قبل أن يحل الوفد السعودي الذي ضم إحدى سيدات المجلس، وكلهنَّ من ذوات الاختصاص الأكاديمي والطبي، وبعضهن خريجات في أرقى الجامعات الأميركية (ليس في أي برلمان عربي مثل هذا التكريم للمرأة)، وكان الملك عبد الله بن عبد العزيز، رحمة الله عليه، أصدر يوم الجمعة 11 يناير (كانون الثاني) 2013 أمراً ملكياً قضى بأن تكون نسبة تمثيل المرأة في المجلس 20 في المائة. كما كانت في الوقت نفسه هناك مخاوف من أن يلحق كساد موسم الصيف بكساد موسم الشتاء، فلا كان القدوم السعودي والخليجي عموماً للاستمتاع بسياحة خليجية؛ كما هو المأمول، وقد يكون؛ في ظل التوتير المفتعَل للعلاقة اللبنانية – الخليجية، وبالذات العلاقة مع السعودية الدولة والسعوديين الشعب، موسم الاصطياف منتكساً. وإذا حدث ذلك، فإن الأحوال الاقتصادية والمعيشية عموماً التي يعيشها اللبنانيون ستضع الوطن في المأزق الأكثر وطأة.

ليست الزيارة من أجل إحلال الآمال بموسم صيف مزدهر سعودياً وخليجياً؛ وإن هي شكلاً مثل حاشية في كتاب. وإذا كان اللبنانيون يودون سماع مثل هذه التأكيدات من جانب وفد بهذا المستوى فقد حصل ذلك. وإنما الزيارة بمثابة تفقّد طرف محب لطرف عزيز، أو مثل إطلالة أخ كريم على أخ متوعك بعض الشيء. كما أنها تأكيد لحرص المملكة على صيغة التنوع اللبنانية «السياهبية»؛ (جمعاً للسياسة مع المذهبية). ومن هنا شملت الزيارة الجانبين الرسمي السيادي، والمذهبي الطوائفي. وفي اللقاءات مع الرئاسات الثلاث، ثم تالياً مع المرجعيات المذهبية؛ من دار الفتوى، إلى المجلس الشيعي الأعلى، إلى المرجعية الدرزية، إلى البطريركية المارونية، كان الكلام حول الحرص على أن تسمو العلاقات على أي ظروف طارئة.
هنالك وفود ومسؤولون أجانب في معظمهم زاروا لبنان في ظل حالة عدم التوافق والتلاسن وأحياناً استعمال المكروه من الكلام يردده رموز في المجتمع السياسي والحزبي. وهذه الحالة التي نشير إليها جعلت الإحباط يستشري، فضلاً عن أن بعض زوار لبنان، وبالذات الزائر الأميركي، أتى بما هو لمصلحة إسرائيل أكثر منه لمصلحة لبنان. ثم إن اللبنانيين لاحظوا في زيارات هؤلاء نوعاً من الابتزاز للبنان بدلاً من الترفق بأحواله. من هنا؛ جاءت زيارة الوفد البرلماني (بصيغة الشورى تسمية وفعلاً) السعودي لتؤكد الفرق بين الصديق الحريص على الصداقة، والصديق الذي يجيِّر الصداقة لمصالح ذاتية أو لمصلحة طرف ثالث.

ماذا بعد هذه الزيارة النوعية التي قام بها في أكثر الأزمات حدة في لبنان مجلس الشورى السعودي في شخص ستة من أعضائه؟
من الواجب وضمن أصول التعامل أن يرد لبنان البرلماني على الزيارة بمثلها من حيث النوايا الطيبة ومشاعر الود الأصيلة. وحتى إذا كان الأمر يتطلب دعوة؛ فإن هناك دعوة مضى عليها زمن طويل وُجِّهت إلى رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، وكان السفير السلَف الدكتور علي عواض عسيري في غاية الارتياح لدى تسلُّمه رسمياً الدعوة وتسليمها إلى الرئيس بري وسماعه منه كلاماً طيباً في حق المملكة قيادة وشعباً.
إلى ذلك؛ من شأن رد الزيارة تبديد مشاعر عتب الرأي العام السعودي على تنظيرات سياسية لبنانية كادت تنعكس سلباً على جوهر العلاقة السعودية - اللبنانية لولا أن لبنان محظوظ لأنه يحوز تعاطف المملكة ماضياً من زمن الملك المؤسس عبد العزيز رحمة الله عليه، وحاضراً في زمن الملك سلمان، وقبل

ذلك في زمن إخوانه الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد وعبد الله. وتلك حظوة نادرة في تاريخ العلاقات بين الدول والشعوب. لكن الذي هو مدعاة للاستغراب أن الطرف المحتاج إلى هذه الحظوة يعيش بين موجة انحياز وأُخرى حالات من الإساءة الكلامية في حق الطرف الذي عندما تصيب لبنان أو أي بلد عربي مصيبة يتصرف بنخوة الكاتمين الغيظ، الحافظين الود، الحريصين على ألا تنعكس الإساءة سلباً على واجبهم القومي والنخوي.
وعندما يرُد البرلمان اللبناني، وقد ارتأى رئيسه نبيه بري أن الوقت المناسب لتلبية الدعوة القديمة هو الآن وفق مبدأ «خير البر عاجله»، فإن ما يتمناه المرء أن يكون بالوفد الذي يختاره يمثل كل لبنان، أي تكتسب الزيارة بعداً وطنياً بامتياز. وهنالك أكثر من حيثية ومن «تسليفة» كرمز للشيعي العروبي وقفات نوعية للطيف الشيعي الآخر نصف العروبي عموماً تجعل مثل هذا البعد الوطني ممكناً. وبذلك يتم تضميد جراح معنوية، ويكتمل رسم معالم المشهد المأمول للعلاقة السعودية - اللبنانية في ضوء زيارة قائد الجيش العماد جوزيف عون إلى الرياض في اليوم نفسه الذي كان فيه وفد مجلس الشورى يلتقي في بيروت الرئيس ميشال عون ويواصل لقاءاته بالمرجعيات الدينية. وإذا كانت زيارة الوفد السعودي شكّلت اختراقاً نوعياً في حالة الإحباط المستشرية في لبنان، فإن ما لقيه قائد الجيش وما سمعه شكَّل؛ ولا بد، بداية اختراق لمشاعر العتب السعودي.
اختراقان تحتاج العلاقة المستقرة بين السعودية ولبنان إلى حدوثهما، وبذلك لا تعود المحاذير والهواجس تغطي الوجه المشرق لعلاقة باتت مثل الأشجار المعمِّرة. الاختراق للإحباط المستشري في لبنان حدث من جانب المملكة الحانية عليه. في انتظار الاختراق الثاني من جانب لبنان الذي يطمع بحرص المملكة؛ شعباً وقيادة، عليه فيقترف البعض فيه، وهم من ذوي المناصب الرسمية ومن قيادات حزبية، ما يستوجب قراءة متأنية لأصول الحرص عندما يراد له أن يكون متبادَلاً... ولمصلحة البلاد والعباد طمأنينة واستقراراً.