محللون سياسيون يرون أن بن كيران أصبح خطرا على مؤسسات حزبه ويدفعه إلى الخراب.

&محمد ماموني العلوي

البحث عن السلطة

& يدفع عبدالإله بن كيران الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية باتجاه تقويض سلطة الأمين العام الحالي ورئيس الحكومة المغربية سعدالدين العثماني، وذلك بتوسيع الهوة بين القيادة والقاعدة داخل الحزب باستغلال موقف نوابه بالتصويت على قانون يتعلق باستخدام اللغة الفرنسية في التعليم، والذي خلق توتّرا ستكون تداعياته كبيرة على تماسك الحزب، خصوصا بعدما استقال رئيس فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب إدريس الأزمي الإدريسي من رئاسة الفريق بشكل مفاجئ، مساء السبت، وبعد كلمة تحريضية لبن كيران، دون أن يكشف حيثيات ولا أسباب هذه الخطوة.

والثلاثاء الماضي، وافقت لجنة برلمانية بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، بالأغلبية على قانون لإصلاح التعليم، يسمح أحد بنوده بتدريس بعض المواد باللغة الفرنسية.

سعدالدين العثماني: العدالة والتنمية حزب مؤسسات وليس حزب أفراد

وفي خطوة تصعيدية هدد بن كيران، في كلمة مباشرة بثها على فيسبوك، مساء السبت، بإمكانية مغادرته الحزب، الذي قال إنه “لا يشرفني أن أنتمي إلى حزب أمانته العامة تتخذ هذا القرار مهما كانت الدوافع” في إشارة إلى الموافقة على قرار مجلس النواب بشأن استخدام الفرنسية في التعليم.

وعزت مصادر من داخل حزب العدالة والتنمية لـ”العرب” استقالة الأزمي استجابة لموقف بن كيران، الذي كال انتقادات حادة لنواب الحزب والأمانة العامة وعلى رأسها سعدالدين العثماني، مساء السبت.

وقالت المصادر “إن الكل متوجّس من تصريحات بن كيران لكنهم لا يستطيعون مواجهته بالأمر الواقع بأن عليه الالتزام بقوانين مؤسسات الحزب”.

وقال المحلل السياسي، عمر الشرقاوي، إن بن كيران يحاول أن يلعب دور المدافع عن حرية القرار داخل حزبه، لكن لا أحد يصدق هذه الحيلة لأن الجميع داخل الحزب يعرفون نزوعه للسلطة، حيث كان يعتبر نفسه فوق المؤسسات خصوصا وأنه محاط بانتصارات انتخابية جعلته زعيما سياسيا لمناضلين، لكنه لم يكتف بطينة الزعماء مجازا.

واعتبر الشرقاوي أن بن كيران أصبح خطرا على مؤسسات حزبه ويدفعه إلى الخراب.

ومباشرة بعد تصريحات بن كيران وجه عدد من القيادات والمنتمين إلى حزب العدالة والتنمية، صباح الأحد، نداء تحذيريا شديد اللهجة للقيادة لـ”إنقاذ الحزب” مما وصفوه بـ”انفصال القواعد عن القيادة، والسقوط في التخبطات الداخلية، ما نتج عنه مواقف غير سليمة في قضايا وطنية، مثل التصويت على مشروع قانون الإطار لإصلاح التعليم”.

واستثمر التنظيم الدولي للإخوان الأزمة داخل حزب العدالة والتنمية، لدعم بن كيران والدفع باتجاه أن يعود أمينا عاما للحزب.

واعتبر أحمد الريسوني الأمين العام لاتحاد علماء المسلمين/التنظيم الدولي للإخوان، أنه ليس أمام بن كيران أي مانع قانوني لولاية ثالثة.

ولم تخف القيادات الداعمة لبن كيران قولها إن العدالة والتنمية فقد المرجعية الفكرية والهوية السياسية في الخروج بقرارات منسجمة، وتفرّد القيادة باتخاذ القرارات الأمر الذي غير جلد الحزب بدعوى التوافقات والضغوط، وهو ما يفاقم الوضع الداخلي ويعمق الفجوة مع امتداد الحزب الشعبي رغم تمسك القيادة الحالية بخطابي العافية التنظيمية.

وفي رد سريع على تصريحات بن كيران والمتوافقين معه أكد الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، سعدالدين العثماني، الأحد، أن الحزب مبني على مبادئ ومرجعية واضحة، وسيبقى دائما وفيا لمبادئه وتوجهاته المثبتة في قوانينه، الوطنية بمفهومها الشامل والملكية، قائلا “سنتشبث بها ونعض عليها بالنواجذ، وسندافع عنها بطريقة مستميتة” مشددا على أن العدالة والتنمية حزب مؤسسات وليس حزب أفراد، ويجب أن يعتز بمؤسساته، ومن دون مؤسسات فلا معنى للحزب، مشددا أن على الجميع أن يلتزموا بقرارات الحزب لأنه إذا غابت قواعد العمل غابت الديمقراطية.

واعتبر مراقبون أن بصمة بن كيران واضحة في صياغة نداء قيادات العدالة والتنمية وتوقيت نشره، مؤكدين أن هذا تيار بن كيران الذي يتربص بكل تحركات القيادة الحالية برئاسة العثماني ومحاولة تسفيه قراراتها أمام القواعد والهياكل الموازية.

عبدالإله بن كيران: الحكومة التي يقودها العثماني انتهت مشروعيتها

وطلب بن كيران، من وزراء العدالة والتنمية، الانسحاب من الحكومة، بعد تمرير قانون التعليم، مضيفا أن رئيس الحكومة الحالي سعدالدين العثماني ارتكب خطأ جسيما والحكومة الحالية التي يقودها انتهت مشروعيتها، داعيا الحزب إلى الانسحاب من الحكومة بعد امتناع نواب من الحزب الموافقة على مشروع القانون، معتبرا أن الأمر فضيحة.

وكان حزب العدالة والتنمية أطلق حوارا داخليا من يوليو 2018 إلى غاية يوليو 2019، بعد بروز اختلافات حادة في مواقف قيادات وأعضاء الحزب، لاسيما بعد إعفاء الملك محمد السادس لبن كيران من مهمة تشكيل الحكومة وعدم التمديد له لولاية ثالثة، لكن رصدا لواقع الحال يبيّن أن الحوار الداخلي لم يذهب بعيدا في لمّ شمل المختلفين.

وفي محاولة منه لتشجيع قاعدة المتمردين على قرارات الأمانة العامة للحزب قال بن كيران “لا بد أن أحيي الأخوين المقرئ أبوزيد، ومحمد العثماني من وجدة، اللذين صوتا برفض مشروع القانون”، ووجه كلامه إلى القيادة قائلا، لا تكرهوا الأخوين على التصويت، وأعتبر بأن أي قرار اتخذ في حق المقرئ أو أي شخص آخر، فإنه قرار اتخذ ضدي أولا وهو يشملني أيضا.

&وكرأي مخالف لموقف بن كيران من قانون التعليم، نبّه عبدالعزيز أفتاتي، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، إلى خطورة بعض الأحكام المطلقة، التي يصف بها البعض خطوة المصادقة على القانون الإطار، داعيا إلى عدم تهويل وتضخيم هذا الموضوع.

وأجمع متابعون للشأن الحزبي على أن العدالة والتنمية لا تعوزه التبريرات الفقهية لملاءمة وضعه داخل وخارج الحكومة، خصوصا وأنه لم يقطع نهائيا وبشكل حاسم مع حركة التوحيد والإصلاح الذراع الدعوية للحزب والخزان الفعلي لأطره.

واعتبر أحمد الريسوني، أنه ليس أمام بن كيران أي مانع قانوني لولاية ثالثة، وفي المؤتمر المقبل ستكون له شعبية كبيرة وإذا سارت الأمور سيرا عاديا، سينتخب بن كيران أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية.

وتعليقا على تصريح الريسوني المدعوم من قطر وتركيا، أكد رشيد لزرق، المحلل السياسي والخبير في القانون الدستوري، أن الريسوني هو المرجع العلمي لحركة التوحيد والإصلاح وضابط إيقاع العدالة والتنمية، بالتصعيد أو التهدئة، حيث ظهرت التهدئة من خلال قيامه بنفسه بمعارضة الولاية الثالثة لبن كيران في ظل سياق دولي ضاغط، لتحويل الأنظار وعدم مجاراة طموحات بن كيران، وخروجه الآن بشكل استباقي ليبيح له العودة كأمين عام يعدّ تبريرا لاسترجاع الأداة التنظيمية داخل الحزب.

&