& رضوان السيد


منحت دولة الإمارات العربية الجامعة الأميركية في بيروت عام 1977 كرسياً للدراسات العربية والإسلامية. وبسبب ظروف الحرب الداخلية ظلَّ الكرسي خالياً معظم الوقت، إلى أن شغله أستاذ التاريخ الإسلامي المعروف طريف الخالدي في العقد الأخير، وتقاعد قبل ثلاث سنوات. وبسبب خُلُوّ الكرسي أعلنت عمادة كلية الآداب عن استدعاء ترشيحاتٍ له، فترشح عشرات، اختارت منهم اللجنة العلمية ثلاثةً للمقابلة والمحاضرة، وفاز في النهاية الأستاذ الدكتور بلال أورفه لي رئيس الدائرة العربية بالجامعة.&
قبل قرابة العامين، وعندما كنت أستاذاً زائراً بكرسي الشيخ زايد، تعاونتُ مع الدكتور بلال، والدكتور ساري حنفي من دائرة السوسيولوجيا بالجامعة الأميركية، في إقامة مؤتمرٍ بعنوان «إعادة بناء الدراسات الإسلامية»، شارك فيه عشرات الأساتذة من الداخل والخارج. وكان موضوع المؤتمر: بحث سبل الخروج من التأزم الذي عانت منه الدراسات الإسلامية خلال العقود الماضية، ومن طرفين: طرف الأصوليات الإسلامية المتشددة، والتي ما بقي باعتبارها غير موضوع الدين والدولة، ووسائل تطبيق الشريعة. وطرف الأصوليات الغربية التي انشغلت بنفي القرآن، والتاريخ الإسلامي المبكر، والسنة وطبيعة الرسالة، والتبعيات للأديان والثقافات الأُخرى. وقد برز في المؤتمر توجه أكاديمي ليبرالي اعتبر «التسامح» مدخلاً لقراءة النصوص والأحداث، وليس في التاريخ وحسب، بل وفي الحاضر والمستقبل. وعلى النهج نفسه عملت الدائرة العربية والكرسي خلال العامين 2018و2019 على إقامة ندوات وورشات عمل في «التصوف والأخلاق»، والفلسفة الإسلامية وعلم الكلام الجديد، والتجديد في دراسات الفقه الإسلامي. وكانت هناك فُرَص لاستكشاف الآفاق الممكنة للمنهج الجديد، بمناسبة مئوية الشيخ زايد، والإعلان عن عام التسامح بالدولة. وكما تعاونا مع سفارة الدولة في لبنان في شَغْل كرسي الشيخ زايد، تعاونّا أيضاً في إقامة ندوة عن التطرف والإعلام.

يملك كرسي الشيخ زايد بالجامعة الأميركية في بيروت، مع الأستاذ الجديد متعدد التخصصات (في الآداب والفلسفة والإسلاميات والتاريخ) إمكانياتٍ كبرى لتكون له برامج للماجستير والدكتوراه، ولاستقطاب طلاب متميزين، ومحاضرين بارزين، فضلاً عن المؤتمرات ووُرَش العمل التي بدأت تتكثف وتكسب سمعة ومصداقية بسبب جدية المشاركين فيها. وإلى ذلك يطمح الشاغل الجديد للكرسي إلى أن تكون لديه سلسلة منشورات في موضوعاتٍ تلتزم الأكاديمية، وتخدم الحاضر العربي والإسلامي. وهناك إمكانيات أخرى برزت من خلال التعاون مع دوائر الإنسانيات بالجامعة في السوسيولوجيا والتاريخ والعلوم السياسية والفلسفة، وفي الجامعات الأُخرى بلبنان، والجامعات الغربية. لقد مرَّ عليّ خلال العامين الفائتين عشرات الطلاب الذين أتوا أصلاً للدراسة بالدائرة العربية أو مركز الشرق الأوسط، لكنهم عندما وجدوا كورسات معروضة في الدراسات القرآنية وعلم الكلام القديم والجديد ومصادر الدراسات الإسلامية، سارعوا للانضمام إليها من دون تردد.
لماذا إذن هذا الحماس للكرسي وبرامجه وإمكانياته؟

الحماس بسبب الإقبال على الدراسة في بيروت وفي الجامعة الأميركية تحديداً. وإذا كانت الجامعة بارزةً في البيئات الجامعية الغربية، في العلوم والطب والتكنولوجيا والاقتصاد وإدارة الأعمال، فإنها يجب أن تتميز في مجالات العلوم الإنسانية والدراسات الشرق أوسطية. ويأتي كرسي الشيخ زايد للدراسات العربية والإسلامية ليضيف بُعداً جديداً للإنسانيات والسياسات والشرق أوسطيات. فكثير من الطلاب الذين يقدمون للجامعة من أجل المواضيع الشرق أوسطية، إنما يتلمسون الأبعاد الجديدة والمتغيرة في البيئات العربية والإسلامية أكاديمياً واجتماعياً.&
يستطيع الكرسي أن يكون مرصداً للتطورات في المجال الفكري الإسلامي، والمساهمة في التفكير الجديد داخل الإسلام، وفي العلاقات المسيحية الإسلامية الصاعدة بعد وثيقة الأخوة الإنسانية بأبوظبي بين البابا وشيخ الأزهر.
هناك إذن حيويات متجددة من ناحية المنهج في الدراسات الإسلامية الكلاسيكية، والتي ينهض بها الأستاذ الجديد للكرسي. وهناك الموجة الجديدة لنهضويات الإسلام من خلال التسامح والتعارف. وهناك الأبعاد الجديدة للعلاقات والتفكير المشترك بين المسيحيين والمسلمين. وفي كل هذه المجالات يستطيع الكرسي أن يعمل وينتج بأستاذ الكرسي وبالأساتذة الزائرين والباحثين المعاونين، وبطلاب الدراسات العليا، إضافةً للمؤتمرات وورشات العمل ومحاضرات المشهورين لمرةٍ أو مرتين.
إنها استعادةٌ لموقعٍ مهمٍ يجب أن يلعب دوره الناهض في زمن الاستنارة الجديدة للعرب والإسلام.

&