&ماجد عبدالعزيز التركي&
مدخل: مرّت العلاقات الثنائية السعودية - الروسية بمراحل متعددة، ومتباينة في المواقف والتوجهات السياسية، مراحل شملت الحقبة السوفايتية، ثم روسيا الاتحادية/ فترة يلتسين، ثم المراحل الأولى لرئاسة الرئيس الحالي/ فلاديمير بوتين، لم تخلُ هذه المرحلة من تناقضات، بل إن التناقضات كانت السمة الأساسية، والغريب هنا أنه على رغم التباينات إلا أن الملفات الدولية ذات الصبغة الأممية (المعروضة على اجتماعات الأمم المتحدة) كانت تشهد توافقاً عجيباً في الرؤى والمواقف، كانت قضايا الخلاف في ملفات محدودة وقليلة، ما دفع البعض إلى القول: «إنّ روسيا الصديق دون مصالح للمملكة العربية السعودية»! وشهدت المرحلة الحالية للرئيس بوتين، توافقات أوسع وأرحب (باستثناء الموقف من الملف السوري في المراحل المتقدمة من الأزمة السورية)، ويمكن عزو هذه التوافقية الطبيعية، على رغم غياب المصالح المباشرة، إلى نمط ومنهجية السياسة الخارجية للبلدين، وطبيعة النظام السياسي الحاكم فيهما، والذي يعتبر أنموذجاً غير مدركةٍ جمالياته في خضم الوقائع السياسية الدولية، (وهذا موضوع في حاجة إلى تحليل سياسي متعمّق مبني على مراجعة للملفات السياسية والأمنية المشتركة بين البلدين).
إنّ من أميز ما مرّت به العلاقات السعودية - الروسية، خلال العقدين الماضيين منذ تسلم فلاديمير بوتين للرئاسة في 2000م، أنها خضعت لمؤثرات متباينة يمكن تسميتها بـ «العوامل المتغيرة»، عوامل سياسية واقتصادية وأمنية، عوامل متغيرة في طبيعة تأثيرها على علاقات البلدين (سلباً أو إيجاباً)، وبـ «المثال يتضح المقال»:
1- الملف السوري، إذ كان في بداية الأزمة من العوامل الرئيسة القوية جداً في توتر علاقات البلدين وفتورها في كافة الاتجاهات، ثم تحول هذا الملف إلى عامل إيجابي «إلى حد ما» في تنشيط علاقات البلدين وتفعيلها، والقراءة التفصيلية له ليست مهمة هنا.
2- ملف النفط، كان من العوامل التي تسببت في توتر علاقات البلدين، وكثيراً ما تحدّث الكتّاب والمحللون السياسيون والاقتصاديون الروس عن النفط كورقة توتر في علاقات البلدين، إذ تتأثر روسيا سلباً من قرارات منظمة أوبك التي تقودها المملكة، والتي تنعكس سلباً على اقتصاد روسيا (كأكبر مصدر للاقتصاد الروسي)، وحملت بعض الكتابات الإعلامية الروسية عناوين اقتصادية تعيد الذاكرة إلى المرحلة المتأخرة لانهيار الاتحاد السوفياتي بتأثير اقتصادي مباشر بسبب تدهور أسعار النفط، والتي يرون أنها متعمدة، ويتساءلون: هل سيتكرر هذا؟
حالياً نشاهد التفاهم «السعودي الروسي/النفطي» يقود علاقات البلدين في كافة المسارات، ويقود مسار الاقتصاد الدولي القائم على الطاقة، وأصبحت العلاقات الشخصية بين قيادات البلدين، مثار الحديث على كافة المستويات، (يمكن ملاحظة ذلك في اللقاءات الودية بين الأمير والرئيس، في قمتي: الأرجنتين، واليابان). هذان أنموذجان للعوامل المؤثرة في علاقات البلدين، وكيف تنعكس على كافة مجالات التعاون الثنائي.
استراتيجيات العلاقات السعودية الروسية: واقعياً، لم تأخذ العلاقات السعودية - الروسية أي منحى استراتيجي حتى الآن، وإن كانت بوادر الشراكة الاستراتيجية تأخذ مساراتها الفعلية، ولكنها تتأثر باستمرار بمحوري تأثير:
الأول: محور من الجانب الروسي، ويتمثل في علاقات روسيا بإيران، ثم تركيا حالياً، وتنعكس آثاره على مسار العلاقات الروسية - السعودية وفقاً لمتغيرات أزمات الشرق الأوسط، خاصة الملف السوري واليمني والليبي ثم أزمة أمن الممرات المائية في الخليج العربي، فالمصالح «الروسية - التركية - الإيرانية» تؤثر في الموقف الروسي وتتقاطع سلباً مع المصالح الروسية - السعودية، ويجب الاعتراف أن المصالح الثلاثية (الروسية – التركية – الإيرانية) أقوى في توجيه السياسة الخارجية الروسية، في مقابل علاقات روسيا ومصالحها مع المملكة.
المحور الآخر من الجانب السعودي ويتمثل في الشراكة الاستراتيجية السعودية الأميركية، ولا شك أنها عميقة التأثير في القرار السياسي السعودي، وتعوق بشكل عملي بناء شراكات استراتيجية سعودية – روسية، وإن كانت المملكة قد نجحت في تأسيس شراكات استراتيجية خارج الفضاء الأميركي (الصين – اليابان - كوريا الجنوبية/مثلاً)، ولكن روسيا تمثل تحدياً للجانب الأميركي، وقد تتعمد الدوائر السياسة الأميركية زعزعة أية اتجاهات استراتيجية للسعودية باتجاه روسيا (منظومة/S400 الروسية - ومنظومة/THAAD الأميركية/مجرد مثال)، إلى جانب أن معظم المثقفين السعوديين «الفاعلين في المسارين السياسي والاقتصادي السعودي» تتعطل مداركهم الوطنية أثناء التفكير خارج الفضاء الأميركي! خاصة في المسار الروسي.
هذه تحديات واقعية ولكنها ليست مانعة لتحويل التوجهات الجديدة في علاقات البلدين إلى مسارات استراتيجية، وقد تحتاج إلى بعض المحفزات الواعية بالتحولات الدولية المستقبلية، ومن هذه التحولات:
1- الاستغناء الأميركي التدريجي عن نفط الخليج، والتوجه إلى إنتاج النفط (التقليدي والصخري) بكميات تصدير تنافسية، وبالتالي التحكم في الأسعار من خلال مسارين: مستويات الإنتاج بما يحقق التحكم في العرض والطلب، رعاية بؤر الصراع والقلق الأمني في مناطق المصادر التقليدية للنفط (منطقة الخليج وغيرها) وعدم العمل على حلها؛ بما يرفع مستويات الأخطار الأمنية، وبالتالي ترتفع تكلفة النقل والتأمين، ومن ثم يكون النفط الأميركي أكثر طلباً من غيره.
2- تنامي النفوذ الإيراني والاستقواء بالموقف الأميركي المتراخي، والمصالح المشتركة مع روسيا والصين، إضافة إلى السعي الأوروبي لخلق مساحات تعاون مع إيران، وبالتالي انحسار دول الخليج العربي في معالجة الأزمات والتأثر بها.
3- الحضور الروسي في المنطقة من خلال سورية، والتنسيق الروسي/ الإيراني لوجود روسي من خلال إيران على السواحل الخليجية من الشرق، وبالتالي الاستغناء الروسي عن اللهاث وراء ودّ وشراكات مع دول الخليج العربية، فروسيا اليوم لن تكون روسيا في الغد إذا تحققت مصالحها من خلال أطراف غير خليجية.
4- التحرك النشط جداً للصين من خلال منظمة شنغهاي، والتأسيس لحضور صيني لتأمين الممرات المائية لصادرات الصين للعالم، خاصة الأوروبي من خلال بحر العرب والبحر الأحمر.
* المؤشرات الرئيسية الداعمة لمستقبل العلاقات السعودية الروسية:
التطلعات على مسار علاقات المملكة بروسيا ألا تتوقف عند حدّ التوجهات الإيجابية التي يعيشها البلدان، بل العمل على تحويلها إلى مسارات استراتيجية وفق سياسات «المنفعة المتبادلة»، وحتى نحقق شيئاً من هذا خاصة في سياق التحضيرات الجادة والمتنوعة لملف زيارة الرئيس بوتين للرياض، أن نلحظ المؤشرات التالية:
1- استحضار النتائج الإيجابية لزيارة الملك سلمان لروسيا (تشرين الأول/أكتوبر 2017م)، والبناء على ما تم التفاهم عليه.
2- الاتكاء على الانسجام في المزاج الملاحظ بشدة بين الأمير محمد والرئيس بوتين، والذي ظهر في مناسبات دولية حفتها كثير من الأزمات، وتجاوزتها بتأثير كاريزما شخصية هاتين القيادتين وكانت مثار انتباه وارتباك لكثير من المراقبين «المتربصين».
3- تحييد الصوت الإعلامي «المحلي في البلدين» غير الواعي بملابسات علاقات البلدين والمصالح الاستراتيجية المرتجاة.
4- تحريك الأدوات والقوى الناعمة «النائمة حالياً» والتي لم تستحضر ولم تُفعّل، وهي أدوات فاعلة ومؤثرة خاصة على المستوى الوعي الشعبي.
5- الوعي بأن العلاقات السعودية - الروسية، لن تكون بحال بديلاً عن العلاقات السعودية - الأميركية، أو حتى مع بعض دول أوروبا، بل علاقات متوازية في مسارات تكاملية.
6- العمل على تكوين كفاءات وطنية في البلدين وتنمية قدراتها ومعارفها؛ لتكون قادرة على العمل في اتجاه البلد الآخر.
7- الوعي بأولويات علاقات البلدين، واستحضارها، وأن يتم العمل على تحقيقها بشكل متوازٍ ومتزامن، ويمكن التأسيس لمشروع عمل ثنائي استراتيجي يستغرق المسارات كافة يرعى تنفيذه فريق عمل مشترك.
8- الاستفادة من الخطوات العملية التي حققها الوزيران (الفالح، ونوفاك)، والتي تجاوزت مجرد التعاون في مجال الطاقة إلى فتح آفاق واعدة ومتعددة.
خلاصة القول: المشتركات في العلاقات السعودية - الروسية أرحب من مجرد وجود توجهات في علاقات البلدين، والمحفزات أعمق تأثيراً من التحديات، إنّ أكثر ما تحتاجه علاقات البلدين وجود الأدوات الفاعلة التي تحقق إرادة قيادات البلدين، وقد أعد الفريق الاستشاري في مركزنا، عدداً من الأدوات المحفزة ذات الفاعلية، تمت صياغتها على هيئة برامج عملية استراتيجية، سترى النور قريباً.
التعليقات