&لبنى الهاشمي

من الحقائق المُرة أن مجتمعاتنا العربية تحركها خطابات الكراهية والتأجيج، كما أن العنف الحاصل أبشع صور توغلها، والكارثة أن من العلماء والمفكرين والكتاب، وأرباب المناصب السياسيَّة، جلبوا بخطاباتهم الفرقة والانقسام، وإذكاء النعرات والتصنيف والإقصاء، ودفعوا بالمنطقة إلى الهاوية.

الروافد التي تغذي مستنقع التعصُّب مصادرها مختلفة، هناك مركَّب نفسي وعقلي وثقافي ينفخ في كير الكراهية ويذكي نيرانها، ولا نعلم ما ستفرزه لنا تلك العواطف الكارهة في المستقبل القريب.

لا ريب أن خدام الحقيقة قلَّة نادرة، وأما من يجحدها ويتكسَّب على حسابها فكُثر، والآن أوجد فراغاً كبيراً بعد محاربة التطرف، لم يكن من المنطقي أن يُملأ مباشرة بعواطف نقيضة، وهو ما يمكن تسميته الإرهاب المضاد للإرهاب، لكن الحاصل أنه قد يتحول إلى إرهاب حقيقي، ولكن من نوع آخر، مثل ظهور مثقفين يلقون باللائمة على الميراث الديني والثقافي والتاريخي للأمة، ومحاولة التشكيك في التراث الإسلامي، والطعن في نتاج السلف الصالح، وأئمة الحديث، وتشويه أهداف الفتوحات، أو الانسلاخ من ميراثنا العظيم، وتزييف الحقائق الدينيَّة المسلَّم بها، والتطاول على كل مقدسات الأمة، وابتغاء الفتنة وابتغاء تأويلها، مع أن هناك جوانب معتمة في ميراثنا بحاجة إلى إظهارها.

الإصلاح لا يبدأ من هدم البنيان، ولكن من البناء عليه، فإن اللغة المنفلتة التي تمارس تنفيس طاقة الكراهية والرفض للإرهاب، جاءت فيما يبدو تعويضًا أو ردات فعل للساحة التي سيطرت عليها تلك الطاقة السلبيَّة ردحاً طويلاً، ولا يمكن أبداً صياغة القوة الناعمة للتسامح في ظلِّ وجود خطابات للكراهية منفلتة وغير منضبطة.

فليحذر الجميع من مقصلة الإرهاب المضاد، الإفلات والانفلات، التي لن تبقي على أحد، ولننتبه جميعاً من أي انحراف في سلوكيات المجتمع ومبادئه وقيمه المتعارف عليها، فقد يغزو منطقتنا بداعي محاربة الإرهاب.