&تركي الدخيل

&

للرياض مواسم، ولكن موسمها هذا العام، محط أنظار العالم.

الرياض، هذه المدينة التي لا تتوقف عن التوسع طولياً، وأفقياً، وسكانياً، مذ أن ظهرت للدنيا، عانت طويلاً من أحكام مجحفة ومعلبة، سهلة التفنيد مع أول زيارة يقوم بها منصف، بل مع أول نسمة في ليلها الذي يتعب الواصفين.
قرارات السعودية، من فتح باب التأشيرة السياحية، إلى تأشيرة العمرة، جعلت السعودية، على بعد تذكرة سفر ممن يريد اكتشافها. هذه الإجراءات، جعلت الكفة مائلة بجدارة واستحقاق باتجاه موسم الرياض، المدهش الذي لم يأخذ حقه من الملاحظة والتعليق بل والدراسة.
هذا الموسم، الذي يأتي برعاية ولي العهد السعودي، الأمير، المُلهِم، محمد بن سلمان، وبجهود لا يمكن إغفالها من رئيس هيئة الترفيه، المستشار تركي آل الشيخ، الذي باتت طلته مقترنة بابتسامته الدائمة، وأصبح ظهوره سارقاً للأضواء، وهو ينادي لموسم الرياض بيدين مفتوحتين، حاملاً باليمنى دعوة للدهشة، وبالثانية حلولاً للمشاكل، التي تحبط من يحاول أن يبث نشاطاً، في مدينة سكانها يقاربون التسعة ملايين، ومعظم طرقها مغلقة، تحضيراً لانطلاق المترو.

في موسم الرياض الفعاليات كثيرة، حتى إن تركي آل الشيخ، اندهش ذات فيديو، وظهر، يحدث نفسه، من باب التشويق، ولأن ما حدث كالخيال، قائلاً: «تخيلوا، لو كل هذا يصير خيال»!
قد يختلف البعض مع تركي آل الشيخ، لكن منصفاً لا يمكنه أن ينكر، أن هذا الرجل، لا يعرف أن يمارس عملاً دون أن يمتلئ به شغفاً.
نعم، الشغف، سر النجاح الأكبر، ولذلك يقول الفيلسوف الألماني الشهير، هيغل: «لا يوجد شيء عظيم تحقق في العالم من دون شغف»!
أما الخيال فهو إقناع الصعب أن يظهر في ثوب الممكن، ومع همة عنانها السحاب، شامخة كجبل طويق، فلا مستحيل في موسم الرياض.
أطربني جداً، نجم المنتخب السعودي ونادي الهلال السابق، ياسر القحطاني، وهو يقدم إعلاناً عن موسم الرياض. وبمناسبة الإعلانات، ظهر الوزير آل الشيخ بنفسه، في إعلان ترويجي للموسم، ولا أستبعد أن يكون أول وزير يقدم إعلاناً! ألم أقل لكم إن الشغف يفعل الأعاجيب!

سبعون يوماً، من الترفيه المتواصل، تحتاج فرقاً ضخمة العدد والعدة، وإعداداً مرهقاً، يستنزف الموظف العادي، ولا يقدر عليه إلا أبناء السعودية، الذين يدفعهم حبهم لوطنهم، إلى إقناع العالم بأن الرياض مدينة جميلة، باعثة على الفرحة، جالبة للسعادة، صانعة للمتعة، لكل الأعمار، ولمختلف الاهتمامات.

في فعاليات موسم الرياض، ما لن تجده في سواه، «جبنا الفيلة للصحراء»، هكذا يعبر ياسر القحطاني، بدهشة لا حدود لها، بعد أن حاول وزميلته في الإعلان المشوق عد الساعات والفعاليات.
أصدقكم أني شاهدت معظم الإعلانات عن الفعاليات، وأنا ابن الرياض، المولود فيها، وقضيت فيها معظم عمري، وأنا فاغر فمي، مبحلق العينين، مسافر في عالم الخيال، غير متصور أن ما أراه حقيقة حولها تركي آل الشيخ، إلى واقع حقيقي!
تمنيت أن أعود بالزمن ليوم كنت ساكناً في الرياض، فأصطحب زوجتي وأبنائي، لنختلف بجمال على أي الفعاليات سنحضر!
الحقيقة أني سأحرص، لا على فيلة ياسر القحطاني، مع محبتي له، بل على فعالية التفحيط والتطعيس، التي أشغلت الغربيين طويلاً، ونادى كثيرون بتقنينها، وتخصيص ميادين لها توفر وسائل السلامة للحد الأعلى، وهو ما حصل في هذا الموسم.
اليوم ننتقل من كون التطعيس، والتفحيط، سبباً لحوادث ذهب ضحيتها الآلاف من شبابنا، ليصبح فعالية منظمة، للحضور أماكنهم فيها، مطبقة فيها قواعد السلامة، ليستمتع الجمهور، بفنون كالجنون، وفي الجنون الكثير من الفنون!
كم عانت السعودية من الصور النمطية السلبية، ولا شيء يزيل هذه التصورات، مثل أن يزور أجنبي بلادنا، فيرى فسيفساء التنوع الجغرافي، والتراثي، والثقافي، ويتعامل مع السعوديين مباشرة، ليعلم أن محاولات تصويرهم أبالسة ظلم وادعاء وكذب. صحيحٌ أننا لسنا ملائكة، لكننا لسنا شياطين، وسيرى القادم للمملكة بتأشيرة سياحية، كرم السعوديين، وبساطتهم، وأصالتهم، مع فتنتهم بالتكنولوجيا.
الجهود العظيمة لموسم الرياض، وفعاليات هيئة الترفيه، والسياحة، ووزارة الثقافة، المهمة، يجب أن تصاحبها توعية المواطن، بأن كل قطعة في هذه البلاد، ملكٌ له ولأبنائه، وأحفاده، وأنها مشروع متحف حقيقي.
أجزم بأنه لا توجد مدينة أو قرية في السعودية، إلا ويمكن أن تكون مقصداً سياحياً جاذباً؛ فمن درب زبيدة، الممتد 1400 كلم، ماراً بخمس مناطق، ابتداءً من الحدود الشمالية، مروراً بحائل، فالقصيم، ثم المدينة المنورة، وانتهاء بمكة المكرمة.

ومن العجب أن يُتهم موروثنا باضطهاد المرأة، ولا درب أطول من هذا الدرب، يحمل اسم سيدة، وهي التي أمرت بالعمل عليه!
هذه الطريق، غير عين زبيدة، التي شغلت المؤرخين، حتى قال عنها اليافعي، في القرن الثامن للهجرة: «إن آثارها باقية، ومشتملة على عِمارة عظيمة عجيبة، مما يَتَنَزَّهُ برؤيتها على يمين الذاهب إلى مِنًى من مكة، ذات بُنْيان مُحْكَم في الجبال، تَقصُر العبارة عن وصف حُسنِهِ، وينزل الماء منه إلى موضع تحت الأرض عميقٍ، ذاتِ دَرَجٍ كثيرٍ جدّاً، لا يُوصَل إلى قراره إلا بهبوطٍ كالبير، يُسمُّونه لظُلْمَتِهِ، يفزع بعض الناس إذا نزل فيه وَحْدَهُ نهاراً، فضلاً عنِ الليل».
ومثلها، طريق الحج الشامي أو التبوكية، وطريق الحج المصري، التي اندثرت أو كادت، أما العلا، فمن يتصور أن هذه المنطقة هي أكبر متحف مفتوح في العالم، بمساحة أكبر من دولة بلجيكا!
موسم الرياض، مناسب لتذكيرنا مثلاً بقرية الفاو، وثقلها التجاري تاريخياً، وموقعها العظيم آثارياً.
كان من الممكن أن يكون موسم الرياض، لأهلها فقط، لكن الرياض، المدينة الأكبر، على مستوى الجزيرة العربية، مفتوحة منذ سنين لأشقائنا في الخليج. وتأشيرة العمرة، لم تكن تسمح، بتجاوز الحاج والمعتمر المناطق المقدسة، وأصبحت اليوم تتيح له التجول في السعودية، كلها.

يجب أن نزجي الشكر للقائمين على موسم الرياض، صُنّاع البهجة، وعلى رأسهم المستشار الشغوف، تركي آل الشيخ، على المجهودات الجبارة، التي لا غرو أنها جعلت ساعات نومهم، تنخفض إلى أقل من النصف، خلافاً لوصل الليل بالنهار.
إبداع موسم الرياض، ليس لأنه بدأ نشاطاً لم يكن موجوداً، فحسب، بل إنه قدم فعاليات، تنافس جدياً في تميزها نشاطات تقدمها مدن ودول، تحترف تقديم الفعاليات الترفيهية، منذ عقود!