&حسن موسى الشفيعي&&

شاءت الأقدار أن تكون البحرين جزيرة.

وشاءت أن تكون لؤلؤة في الخليج، ومركزًا تجاريًا متميزًا، يمثّل أحد أهم مداخل حركة التجارة الى عمق الجزيرة العربية وشمالها.

بحكم موقعها الإستراتيجي، كانت البحرين ملاذًا استقطب رساميل حركة التجارة مع الهند وما حولها. واستقطب جاليات مختلفة لتقطن فيها.. تنوعّت مشاربهم وأصولهم وثقافاتهم ودياناتهم.

البحرين كانت مهيئة لأن تكون نموذجًا لانصهار العديد من الثقافات والتعاون بين الإثنيات والقوميات والديانات.

لا غرو أن يكون أول معبدٍ للهندوس في منطقة الخليج قد ابتُني في منامة البحرين، قبل مائتي سنة على الأقل.

ولا غرو أن تُبنى في البحرين كنيسة تعد من أوائل ما ابتني، وذلك في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي.

ولاتزال في البحرين مقبرة لليهود الذين قدموا اليها من العراق، كما ويوجد فيها كنيس لازال قائمًا.

هذا فضلًا عن وجود أماكن عبادة للديانات الأخرى كالسيخية، والبوذية، وأفرع المذاهب المسيحية: الأرثوذوكسية والبروتستانتية.

إضافة الى التنوّع الآتي من الخارج، والذي جرى دمجه، على قاعدة: حرية العبادة، وتشجيع الاستقرار، وتنمية الاقتصاد.. كان هناك تنوّع داخلي دائمي، حتى قبل الإسلام، فضلاً عن بعد وصول الإسلام الى (أوال) كجزءٍ من البحرين الكبرى.

كان التعايش والتسامح والتنوع المذهبي قائمًا في البحرين: سنة وشيعة وصوفية وإسماعيلية (بهرة) وغيرها.

بهذا المعنى، كانت ملاحظة جلالة الملك صحيحة جدًا، من أن التسامح (الرسمي والمجتمعي) في البحرين ليس (نهجًا مفتعلاً)، ولا هو (ممارسة طارئة) بل كان ولازال (تجسيدًا لسلوك حضاري وممارسة متأصلة).

ليست المشكلة في وجود (التنوع) الثقافي والعرقي والديني وغيرها.

كانت ولازالت المشكلة التي ابتلي بها الشرق، بل الإنسانية جمعاء، تكمن في مسألة (إدارة التنوع) الداخلي، واستيعاب التنوع الآتي من الخارج.

لا تخلو دولة في العالم من وجود اختلافات وفواق مذهبية ودينية ومناطقية وقبلية وعرقية وغيرها.

لا يوجد شعب واحد متجانس تمامًا، حتى ذاك الذي قيل إنه موجود بنحو ما كما في (اليابان).

(إدارة التنوّع) هي القضية التي ينبغي الإلتفات اليها.

لا يمكن أن يغيّر الناس أعراقهم، ولا دياناتهم، ولا مذاهبهم ولا لغاتهم او انتماءاتهم الأخرى.

بعضها مستحيل التغيير. وبعضها صعب للغاية، وإذا ما حدث فعلى نحو محدود جدًا.

من هنا كان (التسامح) هو الأداة الأساس في التعاطي مع هذا التنوع. التسامح القائم على قبول الآخر والاعتراف به واحترامه، وعلى اساس إيجاد المشتركات بينك وبينه، خدمة للصالح (الخاص) و(العام).

بدون التسامح لا يوجد إلا فرض الصهر بغية التجانس، الذي يؤدي الى أمرين:&

الأول ـ هروب مجاميع من السكان او عدم استقبال مختلفين من الخارج.

الثاني ـ وقوع الحروب الأهلية التي تفتت الداخل، ولا تحل المشكلة في نهاية الأمر.

من حسن حظ البحرين، أن شعبها في الأساس قبل التسامح مع ذاته ومع الآخرين.

ومن حسن حظها، أن حكامها شجعوا واحترموا هذا التسامح منذ القدم، وقدموا له الدعم المادي والحماية ـ اذا احتاج الأمر، فصار وجود التنوّع في البحرين مسلّمًا به، مقبولاً اجتماعيًا، ومحميًّا رسميًا.

هذا أمرٌ لا تجده في دول أخرى، وبعضها بدأت تأخذ ـ متأخرة ـ بذات النهج البحريني.

حرية الدين والعبادة أمرٌ مهم، متوفر في البحرين، كما في دول كثيرة.

وتبقى أهمية العناصر الثقافية المشتركة الأخرى، التي تسهّل عملية التواصل المجتمعي بين فئات المجتمع المتنوعة، والتي تتوقف في الجزء الأكبر منها على وجود الرابط اللغوي المشترك، إذ من الضروري ـ لتسهيل عملية التواصل والتفاعل ـ تعلّم الحدّ الأدنى من (اللغة العربية)، حتى يثمر ذلك التفاعل في أنشطة مشتركة وتواصل اجتماعي في مستويات مختلفة.

قد يحدث هذا عبر برامج حكومية، أو عبر التعليم، وقد يتعلم المتنوعون اللغة ـ بحكم الضرورة الحياتية. ولكن من المهم أن الأجيال القادمة من المتنوعين لا تجد الفوارق الكبيرة في التواصل عبر اللغة الأم.

في البحرين تجد اليوم أجيالاً جديدة تتحدث اللغة العربية وباللهجة البحرينية، وهي تنتمي في أساسها الى أعراق مختلفة، وديانات مختلفة، وثقافات مختلفة.