&جميل الذيابي

مهما تعددت الصفات التي تطلق على طبيعة العلاقات المتجذرة بين السعودية والإمارات، فهي لن تكفي لاستيعاب العناصر الكثيرة، والوشائج القوية، والأواصر المتينة التي تستمد قوتها من الدم، والقربى، والجيرة، واللغة، والدين. وقد احتفظت تلك العلاقات بحرارتها على مر العقود، منذ أن أسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لدولة الإمارات العربية المتحدة مطلع سبعينات القرن الماضي؛ بل تطورت - ولا تزال - لتتحول إلى شراكة أخوية إستراتيجية قوية صمدت في وجه التحديات، وتقلبات السياسة العالمية والإقليمية.

وكان طبيعياً أن تصل إلى وضعها الراهن من خلال تنسيق غير مسبوق، وتكامل حيال الملفات الحيوية، وتفاهم تام في شأن القضايا الشائكة، والتهديدات الوجودية التي تواجه البلدين. وتمثل زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز لأبوظبي (الأربعاء) تجسيداً لمتانة تلك العلاقات، ودفعاً لها إلى ذُرى جديدة، بعدما شكلت زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز للإمارات في 4 ديسمبر 2016 دفعة قوية لعلاقات الأُخوة والتعاون والتكامل بين البلدين.

ولذلك كان الاحتفاء والاهتمام بزيارة الأمير محمد بن سلمان للإمارات طاغياً أمس، بسبب الأدوار المهمة التي يضطلع بها ولي العهد في عدد من الملفات التي تعني المنطقة، كالتنسيق في شأن أسواق النفط، وحماية حرية الملاحة في الممرات المائية الحيوية، والتصدي لشرور إيران، وغيرها من قضايا المنطقة والعالم.

وهي، بلا شك، علاقات ظلت تَقوى وتتعزز على مر الأيام، حتى بلغت ما بلغته من شراكة تكاد تكون شاملة، وتنسيق يمثل نموذجاً متفرداً في العلاقات الدولية. وهذه المعاني الكبيرة اختزلها مستشار خادم الحرمين الشريفين الأمير خالد الفيصل في تصريحه الشهير في سبتمبر الماضي: «الإماراتي سعودي، والسعودي إماراتي». وهي أيضاً ما وضعه في نصابه الصحيح ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان حين قال أخيراً: «إن الإمارات والسعودية شراكة الخندق الواحد في مواجهة التحديات المحيطة.. والهدف الذي يجمعنا أمن السعودية والإمارات، واستقرار المنطقة... يجمعنا مصيرنا ومستقبلنا».

وما يؤكد تفرُّد العلاقات بين الرياض وأبوظبي أنها أضحت «مؤسسيّة» في بناء كيانات التعاون المشترك. وتحقق بفضل ذلك تنامي التبادل التجاري، الذي بلغ - بحسب تأكيدات محافظ مصرف الإمارات المركزي - 107 مليارات درهم، منذ بداية 2019 حتى سبتمبر الماضي. ويدرس البلدان استحداث عملة رقمية للتعامل بين البنك المركزي الإماراتي ومؤسسة النقد العربي السعودي. وهو مستوى منقطع النظير من التعاون بين الدول.

بدأت النقلة النوعية في العلاقات مع تشكيل اللجنة العليا المشتركة في مايو 2014، لتنفيذ الرؤى الإستراتيجية لقيادتي البلدين، وتعزيز العلاقات الثنائية، والعمل الخليجي المشترك.

وفي 7 يونيو 2018، أُعلن تشكيل مجلس التنسيق السعودي الإماراتي، لمتابعة تنفيذ المشاريع والبرامج. وتم اعتماد إستراتيجية مشتركة للتكامل بين البلدين، اقتصادياً وتنموياً وعسكرياً، عبر 44 مشروعاً، أُطلق عليها «إستراتيجية العزم». وها هو مجلس التنسيق يعقد اجتماعه الثاني بقيادة ولي العهد، وولي عهد أبوظبي ليكون دليلاً قوياً على أن العلاقات تجاوزت التحديات، وأضحت عصية على من يرددون الأباطيل والمرجفين الذين يسعون للتخريب والتشويه.

وقد توّج البلدان شراكتهما بإعلان وزير الاقتصاد الإماراتي سلطان المنصوري الشهر الماضي استعداد الإمارات لإصدار «تأشيرة مشتركة» مع السعودية، ستتيح لزائري الإمارات زيارة المملكة، والعكس، اعتباراً من 2020.

الأكيد أن السعودية والإمارات تمثلان نموذجاً للعلاقات الأخوية الصادقة، في ظل الانسجام والتناغم، وتكامل الرؤى تجاه القضايا المختلفة. وهما أيضاً نموذج لتنسيق الدفاع المشترك، والوقوف بصلابة في وجه مخططات الهيمنة، والشعارات الكاذبة. وبالخطى الواثقة نفسها سيصلان إلى التكامل الذي تتطلع إليه قيادتهما.