سارة مطر

في العصر المملوكي، وقعت مصر فريسة في براثن مجموعة من الحكام المرتزقة والحمقى والمجانين، وعندما مرض الملك الأشرف برسباي وطال به المرض، وحصل له «مالاخوليا» أمر بنفي الكلاب إلى الجيزة، وانشغلت مصر كلها بالقبض على الكلاب وطردها إلى الجيزة، وكان كل من ينفي كلباً يتقاضى بضعة قروش مقابل عمله هذا.

ثم أمر السلطان بالمناداة:«أن لا تخرج امرأة من بيتها مطلقاً»، فكانت الغاسلة إذا أرادت التوجه إلى ميتة تأخذ ورقة من المحتسب وتجعلها فوق رأسها حتى تمشي في السوق، وبعد أيام أمر السلطان بالمناداة من جديد بألا يرتدي أي فلاح غطاء للرأس، سواءً كان كبير المقام أم لم يكن.

ثم تصاعد جنون السلطان، وازدادت تصرفاته طيشاً، فتحولت من نوادر مضحكة إلى مآس مفجعة، فقد خطر له أن يخلص مصر من الأطباء، فأصدر أمراً بقتل كل الأطباء، وبدأ فأمر السياف أن يطيح برأس اثنين من أطبائه الخصوصيين، ودار السيف بعدها في رؤوس أهل الطب.
واستمر السلطان يصدر كل يوم أمراً مضحكاً أو مبكياً، وينقضه بعد قليل، والمصريون يضحكون قليلاً ويبكون قليلاً، ويصبرون دائماً.

هذا جزء يسير مما جاء في كتاب «هوامش المقريزي»، وأنا أقرأ حكايات من حكموا في مصر في مختلف العصور القديمة، أتساءل: كيف كان شعور المواطنين الذين عاشوا تحت سلطة حكام كانوا غريبي الأطوار؟، وكيف استطاعوا أن يتقبلوا حاكماً يقتل من يساعدهم على الشفاء وهم الأطباء؟.

التاريخ مليء بالخبايا والظواهر الغريبة، إلى جانب ترف الوحشية القاسية والظالمة والمستبدة.. ويأتي السؤال من سيكتب تاريخنا الذي نعيشه الآن؟ وكيف ستقرأه الأجيال القادمة؟.