أحمد الحوسني

ليس سهلاً على العربي الذي منذ أن وعى وهو يسمع ويقرأ عن فلسطين العربية، في الكتب المدرسية والأناشيد والصحف والقصص والإذاعات والتلفزيونات، أن يتخلص من هذه الهالة الروحية التي تحف وجدانه بالمحبة لفلسطين. ومن السذاجة أن يزايد علينا بعض المزايدين عندما نتحدث أو نعطي رأياً في جانب نراه مفيداً لقضية فلسطين.

وفي هذا المنحى، أقتبس من مقال «أميركا والشرق الأوسط.. إلى أين؟» لكاتبه إميل أمين (جريدة الاتحاد) قوله: «بين ملفات عدة تستوجب من أميركا الانخراط من جديد في إشكاليات الشرق الأوسط، مسألة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ذاك الذي طال أمده، ومخطئ مَن

يظن أن رؤية ترامب لتسوية النزاع في عهده قد توارت، فالرجل لديه حلم عريض بأن يُكتب اسمه في سجل القياصرة الأميركيين من خلال التوصل إلى صفقة يخدم بها السياسات الإسرائيلية بأكثر من صون الحقوق الفلسطينية».
ليس للفلسطينيين كثير من الخيارات، في ظل الانشغالات العربية جراء الحروب والفوضى في أكثر من بلد عربي، ما يجعل الفلسطينيين منفردين ومكشوفين. ولنا أن نذكر بكل حرقة وألم، تلك الصورة المؤلمة للانشقاق الفلسطيني، حيث أصبحت هناك سلطتان: واحدة برئاسة محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية (الشرعية)، الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، وأخرى سلطة أمر واقع تفرضه حركة «حماس» في قطاع غزة. من حق كل فلسطيني أن يتساءل: لمصلحة مَن هذا الانشقاق؟ وماذا عن المسؤولية التاريخية للطرفين أمام شعبهما وهو يعاني القتل والأسر والتعذيب على يد الجيش الإسرائيلي والمستوطنين الإسرائيليين بحماية الجيش الإسرائيلي نفسه؟
في الأزمات عادة ما تلتحم العناصر الوطنية مع بعضها بعضاً، وحين أعلن الرئيس ترامب في عام 2017 اعترافه بالقدس عاصمةً لإسرائيل، توقعنا أن نرى القيادات الفلسطينية تلم شعثها وتوحد صفها، لكن مع الأسف لم يحدث ذلك! ويبدو أن «حماس» (الإخوانية) يهمها أن تحكم غزة أولاً، وكل شيء بعد ذلك يهون!

لا يمكن إقناع الشارع بالتوحد في غياب توافق على المستوى السياسي. لكن كيف يمكن لـ «حماس» أن تكون في السلطة، وأن تكون مقاومة ضد الاحتلال في الوقت ذاته! إن إطلاق الصواريخ مهمة دعائية أكثر منها مقاومة، وذلك لرفع أسهم «الإخوان» وجعل سهم من ذلك لمموليهم الإقليميين. والسؤال الملح حقاً هو: كيف لـ «حماس» أن تحمّل الشعب الفلسطيني ضريبة مغامرات البعض في مواجهاته الإقليمية والدولية ورعايته للإرهاب؟ وماذا سيستفيد الشعب الفلسطيني من هذه الإدانة القوية ضد أميركا لقتلها قاسم سليماني؟
يمكن للقوى الفلسطينية أن تفكر بالعمل على توحيد صفها وحل خلافاتها، ولو تحقق هذا فستحظى باحترام شعبها وثقة الحكومات العربية والعالمية. إن تمسك الفلسطينيين بالأرض هو شكل من أشكال المقاومة السلمية. ومن الناحية القانونية، لن يكون للقرار الأميركي الأخير حول الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة أي تأثير. وتفسير القانون الدولي، هو من مسؤولية الأمم المتحدة وأجهزتها المختصة، وهو يتأسس على اتفاقيات ومعاهدات دولية مثل معاهدة جنيف الرابعة التي تحظر على القوة المحتلة إسكان مدنييها في الأراضي الخاضعة لاحتلالها.

كانت الإدارات الأميركية السابقة، تعارض بناء وتوسيع المستوطنات، باعتبارها عقبة في طريق السلام. وفي الوقت الحالي يجد حلفاء الولايات المتحدة من العرب صعوبات متزايدة في إسناد «الجهود» التي يقوم بها ترامب من أجل التوصل إلى سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إذ لا يمكن أن يكونوا شركاء في قرارات أميركية تعد مواليةً لإسرائيل.
وعلى إسرائيل ألا تحاول القفز على التاريخ، لأن لا أحد يحتل وينجو بنيل البراءة، كما يقول الفيلسوف الراحل البلغاري الأصل الفرنسي الجنسية «تزيفتان تيدوروف»، وعليه يتوجب على إسرائيل أن تدرك الخطورة القاتلة لما تقوم به اليوم وغداً.