عبيدلي العبيدلي

في تصريح أدلت به لوكالة الصحافة الفرنسية، قالت الخبيرة في شؤون الخليج العربي، في معهد «تشاتام هاوس» البريطاني، سنام فاكيل «إنها اللحظة التي كان يخشاها المحللون ويحذرون منها... أنّ هذه التحالفات التي بقيت منفصلة قد تعمل معًا بطريقة عابرة للحدود».

جاء ذلك في أعقاب الإعلان عن مقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني بتخطيط أمريكي. وقد أجمعت الجهات المختلفة ذات المصالح المتباينة في منطقة الشرق أوسط على أنها تشكل «تصعيدًا كبيرًا ويثير الخشية من ردٍّ عنيفٍ من إيران وحلفائها في المنطقة».

وجاءت عملية مقتل سليماني فجر الجمعة الموافق 3 يناير 2020 نتيجة «قصف جوي أمريكي قرب مطار بغداد الدولي، أمر به الرئيس دونالد ترامب، بعد ثلاثة أيام من مهاجمة السفارة الأمريكية في بغداد»، وإثر الغارة الجوية على أحد مواقع «الحشد الشعبي»، التي تحتضن بدورها ما يعرف باسم «كتائب حزب الله العراقي».

أثارت تلك العملية التي استهدفت قائد فيلق القدس الإيراني، والذي تعتبره الأوساط السياسية، مهندس الاستراتيجيات الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط، موجة عارمة من التعليقات في الأوساط الإعلامية، بما فيها وسائط التواصل الاجتماعي، انخرطت فيها الدوائر ذات المصالح في الشرق الأوسط.

من تابع الشق العربي من تلك الموجة، يكتشف في مرارة سيادة نبرة طائفية، لم تعد مقبولة، في محتوى، وأشكال، ما جاء بشكل صريح، ومقيت في آن، على حساب النبرة القومية التي كانت ستحل مكانة تلك الطائفية، لو أن حدثًا مشابهًا، وإن كان بتفاصيل مختلفة، يفرضها بطبيعة الحال، تباين الظروف، وقع في الخمسينات من القرن العشرين.

كانت ردود الفعل المتوقعة حينها ستنقسم بين عربي وفارسي، أو عربي وإيراني، بدلاً، كما نشهد اليوم، من مذهبي طائفي، حتى في إطار الأمة العربية ذاتها.

ردود الفعل العربية التي عبَّر عنها محتوى موجات وسائط التواصل الاجتماعي، انقسمت بشكل حاد وواضح بين «مهلل وسعيد مبتهج» بما حققته تلك العملية، وبين «حزين ومكتئب، ومتشائم»، بما آلت إليه.

وقبل تناول ما يقوله منطق العقل العربي المتجرد من كلتا النظرتين المنطلقتين من خلفيات طائفية تقف، بشكل موضوعي، بعيدًا عن نوايا أي من طرفي ردود الفعل التي نشير لها، ينبغي الدعوة إلى رؤية تلك العملية في إطار أكثر اتساعًا من مجرد اغتيال شخصية إيرانية، مهما بلغت أهمية تلك الشخصية، وحجم الدور الذي تمارسه، في خارطة الصراعات الشرق أوسطية. وربما تكشف وثائق التاريخ أن أصابع مطموسة آثارها، تقف هي الأخرى وراء التخطيط لهذه العملية وتنفيذها، بدقة لا تحتمل الفشل.

ولربما محاولة الإجابة على سؤال من هو المستفيد من وراء هذه العملية، يقود نحو أطراف، وجهات، لم ترد أسماؤها في قائمة من وجهت إليهم أصابع الاتهام. فحسن اختيار توقيت العملية، ودقة تنفيذ تفاصيلها، تذكرنا بعملية 11 سبتمبر 2001 التي استهدفت البرجين في الولايات المتحدة، التي تكشفت أسرارها لاحقًا، وعرف الجميع، لكن بعد فوات الأوان، أن أصابع الاتهام، كانت تشير نحو أبرياء، دول كان أولئك الأبرياء أم أفراد. وكشفت أيضا هوية المتستر الحقيقي وراء تلك العملية، وعرت الأهداف التي كان يسعى إلى تحقيقها.

إن كان للعرب أن يستفيدوا من درس تلك العملية من أجل الوصول لقراءة علمية رصينة تكشف من هي القوى التي تجمعها المصلحة المشتركة، المناوئة للعرب، التي ترغمها على تجميد خلافاتها الثانوية، لصالح أهدافها المشتركة الكبرى في منطقة الشرق الأوسط.

إن منطق تداخل العلاقات السياسية في المنطقة يحذرنا نحن العرب، من الانزلاق نحو قراءة طائفية لتلك العملية. فمثل هذه القراءة هي الفخ المموه الذي تدفعنا الأطراف ذات المصلحة في إضعاف الرقم العربي في معادلة الصراعات الشرق أوسطية.

وبالتالي، فنفس المنطق يدفعنا نحو قراءتها على أرضية المصالح العربية المشتركة التي من شأنها، وهي في طريقها للكشف عن حقيقة تلك العملية وأهدافها المموهة، وليس العلنية، أن ندرك أن القراءة الطائفية، وهو ما يدفعنا من جمعتهم أهدافهم المشتركة على التخطيط لها وتنفيذها، على النحو الذي تمت عليه، وفي الوقت الذي نفذت فيه، من أجل كشف أهدافها المبطنة تجاه العرب كدول وأمة، على النحو التالي:

• ستوسع القراءة الطائفية، أفقيًا، وستعمق عموديًا، الشرخ العربي القائم، الذي ولده التطاحن الطائفي العربي لما يزيد على ربع قرن من الصراعات العربية المتتالية والمستمرة، التي وصلت إلى حالة تقترب من العدمية السياسية.

• ستقف القراءة الطائفية، بشراسة، يصعب اليوم تحديد آفاقها، ومن ثم تداعيتها، أمام أي مشروع وحدوي عربي، يقوم على أرضية عربية موحدة لهذا التشتت القومي الذي لم يعد مقبولاً بأي المقاييس.

• ستتيح، مثل هذه القراءة الطائفية، أمام المتربصين بالبلاد العربية، من أمثال تركيا، وإيران، وفوق هذه وتلك العدو الصهيوني، كي يحققوا ما فشلوا في الوصول إليه منذ، ما يزيد على نصف قرن من المشروعات المدمرة التي وضعوها للسيطرة على تلك البلدان.

• ستضعف هذه القراءة الطائفية، من قيمة البلدان العربية في المحافل الدولية، وستقزم في الحيز العربي في وجه أي مشروع دولي، سواء كان ذلك المشروع قادم من دولة واحدة مثل مشروع «طريق الحرير الجديد» الذي أطلقته الصين تحت شعار «حزام واحد - طريق واحد». وهي المبادرة الطموحة التي «أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ في العام 2013، تهدف لتطوير وإنشاء طرق تجارية وممرات اقتصادية تربط أكثر من 60 بلدًا»، أو تلك المبادرات التي تأتي من كتل سياسية كتلك التي تأتي تحت مسميات مختلفة مثل «المبادرات الإسلامية»، ونظيراتها «الأوروبية».

تأسيسا على كل ما تقدم، ومن أجل تحاشي انزلاق عربي جديد نحو مستنقع طائفي متربص بنا، تبرر الدعوة نفسها من أجل التحول من القراءة الطائفية لمقتل سليماني، إلى نظيرتها العربية. فبينما تقودنا الأولى نحو مواطن التفكك والضعف، ترشدنا الثانية نحو عناصر القوة والتلاحم.