كمال بالهادي

لا يكتفي الرئيس التركي بإثارة الصراعات، ودعم الجماعات المتشددة؛ بل إنه يسلك سياسة دبلوماسية غريبة مع الدول العربية تصل حد العنجهيّة والغطرسة. فمع تقلص العلاقات الدبلوماسية بين تركيا والدول العربية إلى حدودها الدنيا، يواصل الرئيس التركي خسارة أصدقائه العرب الواحد تلو الآخر.

خلال زيارته المفاجئة لتونس، والتي أتاها وكأنها مزرعة عثمانية خاصة، جالباً معه طاقماً يتكون من وزير الدفاع، وقائد الجيش التركي، صرّح قائلاً: إنه اتفق مع الرئيس التونسي على دعم حكومة السراج ضد قوات الجيش الوطني الليبي، وهو ما أثار حفيظة التونسيين، باعتبار أن بلدهم لم يدأب على الانخراط في سياسة المحاور، وخاصة في القضية الليبية. تصريح لم تجد الرئاسة التونسية بُدّاً من تكذيبه، وتأكيد أن تونس تقف على نفس المسافة من الأطراف المتنازعة، وأنها ترفض أي تدخل خارجي في هذا الملف المعقّد. فلماذا غالط الرئيس التركي الرأي العام التونسي والتركي والليبي والعالمي بمثل هكذا تصريح؟ أم أنه يعتقد أن تونس هي إيالة عثمانية لا تخرج عن طوق الباب العالي؟

ذات المغالطة كررها أردوغان عند زيارته العلنية هذه المرة إلى الجزائر. فبعد أن غادر عاصمة بلد المليون ونصف المليون شهيد، وفي إطار الخلافات التركية الفرنسية حول الملف الليبي، والكشف الفرنسي عن عمليات نقل مستمرة للإرهابيين وللسلاح إلى العاصمة طرابلس، قال أردوغان: إنه طلب من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مدّه بالوثاق التي تثبت ارتكاب فرنسا جرائم حرب في الجزائر؛ من أجل كشفها للرأي العام الدولي.

من غير الأخلاقي استغلال قضية على غاية من القداسة لدى الشعب الجزائري في حروب أردوغان- ماكرون. الرئاسة الجزائرية اضطرت إلى إصدار بيان تكذيب، قالت فيه: إن قضية الشهداء هي قضية شعب جزائري خاصة ومقدسة، ولا يحق لأحد أن يتدخل فيها أو أن يتاجر بها. والسؤال، لماذا أراد توريط الجزائر في خلافاته الشخصية؟ إنها مغالطة أخرى أراد من خلالها أن يقول: إن أقوى دولة في شمال إفريقيا تقف معه، والحال أن أغلبية شعوب المغرب العربي باستثناء جماعة «الإخوان» ومشتقاتها من الإسلاميين المتشددين، تعد الرئيس التركي شخصاً غير مرغوب فيه في بلادها.

ولعلّ عدم الاستقرار السياسي في أغلب دول المغرب العربي هو الذي يجعلها ضعيفة، ويجعلها غير قادرة على إيقاف الرئيس التركي عند حده. غير أن دولة المغرب وجهت صفعتين متتاليتين لأنقرة، الأولى تتمثل في إيقاف العمل باتفاقية الشراكة بين البلدين؛ بسبب الأضرار التي لحقت بالاقتصاد المغربي، والثانية تتمثل في استدعاء السفير؛ ما يشي بتوتر حقيقي بين البلدين، لن يطول كثيراً قبل ظهوره للعلن، والأكيد أن القصر الملكي ربما يكون غاضباً من تصرفات الرئيس التركي الداعمة لجماعة «الإخوان» المغربية.
غير أن المغالطة الأكبر تتمثل في حديث الرئيس التركي عن أن القدس ليست للبيع، وعن أن الدول العربية تخاذلت فيما يعرف ب«صفقة القرن»، والحال أن الرئيس التركي وهو زعيم «الإخوان»، لم يتردد في زيارة «تل أبيب» ولقاء أرييل شارون صاحب السمعة السيئة؛ بسبب المجازر التي ارتكبها ضد العرب. وأردوغان الذي يصرح بأن «إسرائيل» هي دولة محتلة وإرهابية، لم يستطع أن يوقف المبادلات التجارية معها؛ حيث قفزت قيمة المبادلات بين الدولتين إلى حدود 4 مليارات دولار، ما يجعل تركيا هي الدولة الإسلامية الأولى التي ترتبط بعلاقات اقتصادية مع العدو المحتل. ولا يخفى أن تركيا تعدّ أكبر ناقل للمسافرين «الإسرائيليين» حول العالم، وقد وقعت الخطوط الجوية التركية اتفاقية مع أكبر بنوك «إسرائيل» (Hapoalim)؛ من أجل إصدار بطاقات خصم «IsraCard» لرحلات الطيران على خطوطها من وإلى «إسرائيل». وليس سرّاً القول إن أردوغان حصل سنة 2004 على «جائزة الشجاعة اليهودية» من «إسرائيل»؛ تقديراً لخدماته العلنية التي يقدمها للكيان. فكيف لمن يرتبط بمثل هذه العلاقات أن يتحدث عن أنه مدافع عن القدس وفلسطين. إنها مغالطات أردوغانيّة، لم تعد تنطلي إلا على قطيع «الإخوان».