فواز العلمي

لو اجتمعت مصانع قطع الغيار في عالمنا العربي كافة لما تساوت حجما وإنتاجا ودخلا مع مصنع واحد مماثل لها في اليابان أو ألمانيا أو بريطانيا، ولما شكلت أكثر من 4 في المائة من عدد المصانع المماثلة في تايلاند أو كوريا الجنوبية.
الدول الصناعية الناشئة التي تشكل 48 في المائة من اقتصاد العالم، تعد اليوم من أكبر دول العالم إنفاقا على صناعة قطع الغيار وتشكل أكثر الدول إنتاجا وتصديرا لمعظم فئاتها. بينما المجموعة العربية، التي تحتوي على 40 في المائة من ثروات العالم وتشكل أكثر الدول

استخداما لمعدات التنقيب وحفر الآبار وتصنيع البتروكيماويات وتحلية المياه المالحة وتوليد الكهرباء، ما زالت مستمرة في استيراد معظم احتياجاتها من هذه الأجهزة والمعدات، لأنها من أقل دول العالم إنتاجا لمكوناتها وأكثرها اعتمادا على غيرها في تصنيع قطع غيارها.
وفي الوقت الذي تتلهف فيه قلوب ملايين الشعوب العربية كل عام لزيارة المعارض السويسرية لمشاهدة واقتناء أفخم وأغلى السيارات الحديثة، تتلهف عقول وسواعد أكثر من نصف مليون صناعي سويسري على ابتكار آلاف الأجزاء والمكونات لهذه السيارات باستخدام أحدث المعدات الصناعية وأفضل التقنيات المتطورة. لذا تشكل صناعة قطع الغيار السويسرية نسبة تفوق 27 في المائة في السيارات الألمانية و17 في المائة في السيارات الفرنسية و14 في المائة في السيارات البريطانية والإيطالية. ولا تقف المصانع السويسرية في طليعة مبتكري ومصنعي قطع الغيار فقط، بل استفادت من تشجيع أنظمتها الوطنية على تصنيع الهياكل المعدنية الأقل وزنا والإلكترونيات المعقدة الأكثر دقة، واشتهرت بتصنيع مكونات الأجهزة الطبية والساعات ومعدات صناعة النسيج والورق والجلود.
دون استثناء وعلى اختلاف مستوياتها التنموية، تعتمد جميع دول العالم في نموها الاقتصادي المستدام على دور الصناعة في تنمية مواردها وتوطين وظائفها وزيادة صادراتها وتنويع مصادر دخلها. لذا أصبحت القيمة التصنيعية المضافة للمنشآت الصناعية وزيادة حصتها الإيجابية في ناتجها المحلي الإجمالي من أهم مؤشرات نجاح الدول.

ولعل قصة المواطن الكوري بيونج شول لي مؤسس شركة سامسونج أفضل مثال على نجاح الصناعة الكورية، حيث قام هذا المواطن عام 1938 بتأسيس شركته التي يعني اسمها باللغة الكورية "النجوم الثلاثة"، وقصد بها الأهداف الرئيسة الثلاثة لأحلامه: "أن تصبح كبيرة وقوية ومستدامة". وهذا ما حققه بالفعل، فعندما انتقلت كوريا من عهد الزراعة إلى عصر الصناعة، سارع بيونج شول لي بتحويل مخازن شركته إلى مصانع لإنتاج أجهزة التلفاز والغسالات والثلاجات، فجاءه الدعم والتشجيع من حكومته، ووقفت المصارف الكورية بجانبه، ما ساعده على تقديم العروض المبتكرة في طرق الدفع والضمان بعد البيع والتصدير، واستطاع أن يغزو العالم أجمع بمنتجاته.
اليوم، بدعم وتشجيع وزارة العمل الكورية، يعمل في شركة سامسونج أكثر من 452330 موظفا وفنيا لتفوق أرباحها مجموع أرباح "مايكروسوفت" و"جوجل" و"أبل" وتحتل المرتبة الـ35 بين أكبر اقتصادات العالم.
واليوم بدعم وتشجيع وزارتي البلديات والإسكان الكوريتين، تملك شركة سامسونج تسع مدن متكاملة أطلق عليها اسم "مدن سامسونج الرقمية"، وتحتوي على خمس جامعات عريقة و1500 معهد فني وآلاف المدارس الذكية وعشرات الآلاف من الوحدات السكنية الفاخرة، التي يقطنها 62 ألف عالم وباحث في مختلف مجالات العلوم والتقنية.

واليوم، بدعم وتشجيع وزارة التعليم الكورية، تفتخر شركة سامسونج بأبحاثها التقنية وبراءات الاختراع المسجلة، التي فاق عددها 100 ألف براءة مسجلة في 83 دولة.
واليوم، بدعم وتشجيع وزارة التجارة الكورية، تحتل شركة سامسونج المركز الأول بنسبة 31 في المائة من حصة السوق العالمية في الهواتف الذكية، تليها شركة أبل الأمريكية بنسبة 24 في المائة، وجاءت الشركة الصينية هواوي في المرتبة الثالثة بنسبة 11 في المائة

بينما تراجعت شركة نوكيا الدنماركية للمركز العاشر وجاءت "موتورولا" في المرتبة الـ11.
واليوم، بدعم وتشجيع وزارة الصناعة الكورية، أصبح لدى شركة سامسونج أكبر مصانع الأجهزة الكهربائية التي نستخدمها في حياتنا اليومية، وغدت أفضل شركة عالمية في صناعة أجهزة تقنية المعلومات ولديها ثاني أكبر مصنع للسفن في العالم، واحتلت عالميا المرتبة الـ35 في قائمة كبريات شركات البناء، والمركز الـ14 في قائمة كبريات شركات التأمين، والمرتبة الـ18 في صناعة أجهزة الأمن، والمركز الـ19 في قائمة كبريات شركات الدعاية والإعلان.
وبما أن المملكة تهدف في رؤيتها إلى زيادة نسبة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني من 40 في المائة إلى 65 في المائة، جاء برنامج الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية على رأس قائمة الأولويات لتحويل المملكة إلى قوة صناعية رائدة، ومنصة لوجستية عالمية في المجالات الواعدة للنمو، مع التركيز على الجيل الرابع للصناعة، بما يولد فرص عمل وافرة للكوادر السعودية ويعزز الميزان التجاري ويعظم المحتوى المحلي. ويحتوي هذا البرنامج على تصميم وتوفير الممكنات اللازمة بما في ذلك تطوير السياسات واللوائح والتمكين المالي والبنية التحتية والأراضي الصناعية والمناطق الخاصة، والرقمنة، والبحوث العلمية والابتكار والتدريب ورفع الكفاءات.

ويهدف البرنامج إلى تحقيق 11 هدفا مباشرا من أصل 96 هدفا من أهداف الـ"رؤية". كما حدد البرنامج أكثر من 300 مبادرة تتوزع على 24 ممكنا، منها الجيل الرابع من صناعة وممكن البحث والابتكار، وتتوزع ملكية البرنامج على أكثر من 30 جهة.
ونظرا لأن المملكة تتمتع بالمزايا التنافسية الفريدة بين دول العالم، التي تضعها في مقدمة الدول القادرة على الاستفادة من منشآتها الصناعية، والمتمثلة في تفضيلها على المنتجات الأجنبية في مشترياتنا الحكومية، إضافة إلى قدرة المملكة على تمويل هذه المنشآت بقروض ميسرة وتشجيع صادراتها من خلال اتفاقية تمويل التجارة المبرمة بين الدول الأعضاء في المنظمات الدولية، فإنه يجب علينا جميعا دعم وتشجيع صناعتنا الوطنية ومنح منتجاتنا الدور الأكبر في مشاريعنا التنموية لنحقق الغرض من إنشائها الهادف لإثراء القيمة المضافة المحلية وزيادة قيمة صادراتنا غير النفطية، فهي المعجزة الحقيقية التي أثرت دول العالم وحققت أهدافها التنموية.