رامي الخليفة العلي

تسع سنين من الألم والمعاناة التي عاشها الشعب السوري ليست مدعاة للاحتفال بقدر ما هي فرصة للتأمل فيما آلت إليه الأمور.

بدأت الثورة السورية على وقع الدعوات للديمقراطية والحرية والانتقال السياسي، ووصلت إلى مرحلة أصبحت نهباً للأطراف الإقليمية والدولية. تحولت سوريا الوطن والأرض إلى كعكة موضوعة على طاولة التفاهمات والمقايضات الدولية. من الجميل أن نستمع إلى أصوات ما تزال تعلي من خطاب الثورة، وتنفخ الأمل في النفوس المتعبة، لعلها أخلاق الفرسان التي ترفض الاستسلام للواقع، خصوصاً وهو يشهد على انكسار إرادة شعب، ولكن هذه الأصوات نفسها تصبح ميتافيزيقية ومتعالية وبعيدة عن الواقع ومشكوك في أخلاقيتها عندما تصدر من أناس بعيدين عن أرض الميدان، عندما تصدر من أولئك الذين ينامون ملء العيون ويأكلون ملء البطون وينعمون بالدفء، وهم بعيدون مئات وآلاف الكيلومترات عن ساحات المعاناة، عن أنين الجوعى والمرضى، عن بكاء الأرامل والأمهات اللواتي فقدن أعزاءهن.

نعم، إنها فرصة للتأمل وطرح الأسئلة حتى لو كانت صعبة. من السهل إلقاء اللوم على الآخرين وفي ذلك كثير من الدقة، من السهل كيل الاتهامات للآخرين أنهم وقفوا يتفرجون على مذبحة شعب من الوريد إلى الوريد، من السهل كيل الشتائم للمجتمع الدولي باعتباره أدار الظهر لمأساة الشعب السوري، في كل ذلك هناك جانب من الدقة، ولكن هذه هي المهمة السهلة. لماذا فشلت ثورتنا؟ لماذا لم نستطع أن نقنع العالم بأننا أصحاب قضية عادلة؟ لماذا فشلت النخب السورية بأن تكون صوت المواطن، وأن تعبر عن طموحاته وآلامه؟ لماذا تبنت الثورة الخطاب الغوغائي، وسارت إلى الموت بأقدامها، وفي أحيان كثيرة كان الهدف عائماً وغائماً ومشكوكاً في إمكانية تحقيقه؟

منذ اللحظة الأولى فشلت الثورة في أن تقدم بديلاً عن النظام، ولعل قائل يقول إن أي بديل هو خير من النظام مع الكم الهائل من الجرائم التي ارتكبها، وهذا صحيح، ولكن من زاوية السوريين، أما من زاوية مصالح الدول وخياراتها هذا لم يكن وارداً، فالثورة فشلت أن تقدم نموذجاً آخر للحكم والدولة. لماذا سمحت الثورة أن يتم خطفها من قبل تيارات راديكالية لم تجلب للشعب السوري سوى الدمار والخراب؟ تنظيم داعش والنصرة وغيرها من هذه التنظيمات كانت تنافس النظام في مقدار السوء والجرائم التي كانت المعول الأساسي في ضرب الثورة من الداخل. ثم من أعطى ممثلي الثورة الحق في تفويض أطراف إقليمية للحديث باسم الثورة، من أعطى ممثلي الثورة الحق بتوقيع شيك على بياض لتركيا لتقوم بضرب الثورة من الظهر ولتخون دماء السوريين. بالمناسبة لست ضد أن تحافظ تركيا على مصالحها، ولكن ضد أن يكون ثمن ذلك ثورة الشعب السوري، ودماء أبنائه.

لماذا فشلت الثورة أن تتحدث بصوت واحد؟ لماذا أوصلت الثورة الوصوليين إلى أعلى سلم المؤسسات التابعة للمعارضة؟ لماذا لم تحاسب الثورة من خانها وخصوصاً مَن ادعى الانتماء لها؟ لماذا...؟ لماذا...؟

الأسئلة تكاد لا تنتهي، عندما نستطيع كسوريين الإجابة عن هذه الأسئلة نستطيع بعدها الحفاظ على جذوة الأمل. ما دون ذلك لن نسمع سوى عبارات طنانة ورنانة ولكنها خالية من أي محتوى أو روح أو أخلاق.