أحمد المسلماني

لقد حدث ما لم يكن متوقعاً أبداً، انطفأت منظمة التجارة العالمية، وصعدت منظمة الصحة العالمية، فالمؤسسة التي ترمز للعولمة وتديرها، قد جرى إغلاق مقرها الرئيس، بسبب إصابة أحد مسؤوليها بفيروس كورونا «كوفيد - 19»، لم يكن الإغلاق مجرد عمل فيزيائي، حيث جرى قفل أبوابها، بل كان أيضاً، دلالة على المستقبل الصعب الذي ينتظر الاقتصاد العالمي، والتحولات الكبرى التي تشهدها العولمة.

أصبحت منظمة الصحة العالمية منظمة مشهورة للغاية، يُتابع تقاريرها 7 مليارات نسمة، كما أن موقعها صار موقعاً شعبياً يروّجه الناس على موقع فيسبوك وعلى حسابات تويتر، ولم يتخيل أحد فيما قبل، أن تتعلق البشرية بأهداب منظمة الصحة العالمية كما هي الحال اليوم، إذ إن أغلب البشر لا يعرفون عنها شيئاً، وربما كانوا يسمعون عنها للمرة الأولى هذا العام فقط.

أمّا منظمة التجارة العالمية، فلقد واجهت صدمة كبيرة مع إعلان الرئيس ترامب الحرب التجارية مع الصين، ثم إنها واجهت الخطر الأكبر بظهور فيروس كورونا، لم تكن المنظمة بحاجة إلى الفيروس لتواجه متاعب كبرى، فلقد كان الاقتصاد العالمي يعاني كثيراً، وفي الدراسة التي أعدها بنك «جي بي مورجان» بمناسبة مرور 10 سنوات على الأزمة المالية العالمية 2008، توقع البنك في دراسته عام 2018، أن يشهد العالم أزمة مالية أكبر في عام 2020.

كان بعض الانكماش واضحاً في ألمانيا، وكان الركود لا يزال يضغط على اليابان، وكانت بريطانيا التي غادرت الاتحاد الأوروبي تمضي إلى صعوبات جديدة، بينما كانت الإصلاحات الاقتصادية في فرنسا تواجه غضباً ومظاهرات، وكانت الأرجنتين على وشك الإفلاس. أمّا الولايات المتحدة والصين، فلقد أضرّت بهما جولات الحرب التجارية المتعاقبة.

حسب تقديرات بنك التنمية الآسيوي، فإن خسائر أول شهرين في عام 2020 من جرّاء كورونا تجاوز ثلث التريليون دولار، وقبل أن يتفشَّى المرض وتستفحل الأزمة، قال وزير المالية الألماني: « إنّ بلاده قد تلجأ إلى تأميم بعض الشركات»، وقال وزير المالية الروسي: «إن خطر كورونا أكبر من خطر انخفاض سعر النفط».

وتكمن رؤية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تجاوز الأزمة، في طباعة أكثر من (4) تريليونات دولار، وضخّها في الأسواق، كما فعلت إدارة جورج بوش الابن في عام 2008، وهو ما كان إيجابياً في تجاوز الأزمة، ومن دون حدوث تضخم كبير، لكن الخبراء يقولون: إن التضخم سيقع بقوة، وسيحدث، تدريجياً، فقدان الثقة في الاقتصاد الافتراضي والورقي، وسيعود الناس إلى الثقة في الأصول المادية، وسيمضي العالم مهرولاً على طريق دائري مأزوم ومن دون مخرج.

قد لا تسير الأمور إلى هذا المنحدر، وربما يتجاوز العالم أزمة كورونا قريباً، ثم يستوعب دروسها في إدارة الأزمة المالية، ولكم يتمنى العالم أن تعود التجارة العالمية إلى ما كانت عليه، وأن تأفل منظمة الصحة العالمية لتغيب في النسيان من جديد