وهكذا يجد العالم نفسه وقد فرضت ظروف الواقع الحالي الصحي عليه وبشكل متسارع تأجيل مختلف الفعاليات ومنها الفنية، الأمر الذي اضطر معه العديد من المتاحف والمؤسسات إلى تعويض تلك الثغرات بالتوجه نحو العالم الافتراضي لسدّ الفراغ، وتعويض الخسارات سواء المادية أو المعنوية وبالتالي التحوّل مع الأحداث ومجاراة الوضع وعدم الاكتفاء بالجمود أو تقبّل هذا الحدث الراهن بسلبية ودون تغيير.

لقد اختارت المؤسسات الفية والمتاحف وحتى دور المزاد الكبرى في العالم وبشكل محمود أن تتحدى الواقع وتخلق منافذ للتعايش مع الحدث وما فرضه، فقد تحوّلت المزادات العلنية التي تقدّمها دور المزاد الكبرى إلى مزادات افتراضية، حيث اضطرها الوضع إلى تسريع مبيعاتها عبر المنفذ الافتراضي الإنترنت والتسويق لذلك من خلال ما تقدّمه مواقعها وبواباتها الرقمية من فرص العرض والإحاطة والتقديم للأعمال وتفاصيلها والتقديم لمالكيها والفنانين والمراحل التي نفّذت فيها، مع خلق حلقات تواصل من أجل التجاوب مع المقتنين وما يطرحونه من استفسارات بتوفير شبكة مختصّين وخبراء.

وبلا شك أن مثل هذه المبادرات الحيّة التي حوّلت فكرة العلني إلى الافتراضي هي التي تحتاج أن يسلّط عليها الضوء، في ظلّ كل ما يحدث من تغيّرات في المجال الفني والثقافي لأنها محاولات لتجاوز الأزمات بالفعل والتفاعل، وهذا ما نحتاجه حقيقة وفعلا بشكل جدّي حتى نسلّط الضوء على الفنان ونتجاوب مع المقتنى ونتفاعل مع المؤسسات والمتلقي، ونتجاوز الثغرات في كل ما يخصّ الإنتاج الفني والاقتناء بدوره حتى لا يكون الإنجاز عبثيا والتعبير فردانيا، وحتى نقدّم للفن الوطني إضافاتنا وإضاءاتنا ونكون أقرب في التعامل الإنساني عن طريق العمل والإبداع فالعمل الفني يحتاج للدفع الإنساني ليتحقّق التوافق بين الفعل والإنجاز والتفاعل والتعبير.

ولعلنا نتفق أن النشاط الافتراضي حاليا ليس مجرد ترف ولا تصوّر عرضي، بل هو ضرورة المرحلة ودعامة الثقافة والتعبير وبالتالي نحن بحاجة لمختصين وخبراء ونقاد لهم القدرة على تقديم المعلومة وتفعيل النشاط والتواصل والاتصال والتجاوب وفهم سيكولوجيا المتلقي، ودراسة متطلّباته المعرفية والحسية بما يثري ويفيد ويقدّم الإضافة التي تخلق الانسجام التفاعلي في ظل التعايش مع المرحلة الافتراضية والرقمية، والتوجه الإيجابي من خلالها وهي الخطوات التي بدأت فيها العديد من المؤسسات الثقافية والفنية والمتاحف في العالم والمنطقة، كما عمل متحف اللوفر في باريس وأبو ظبي من زيارات افتراضية للجمهور والاستمتاع بالأعمال الفنية والوقوف أمامها، بالإضافة أيضا إلى متحف الشارقة وتقديمه تجربة الاطلاع ومشاهدة أبرز مقتنياته من الأعمال العربية بكافة تنوعاتها ومسمياتها.

وفي النهاية فإن العمل الثقافي والفني والبحث والنقد والإنجاز والعرض والأداء والاقتناء والأنشطة يجب ألا تتوّقف، لمجرّد أن الوضع فرض عليها ذلك لأن عليها الاستمرار من أجل خلق الأمل والتفاؤل والإنجاز والتقدّم بالذات الفردية والجماعية، فلا أحد ينكر أننا أمام تحديّات كبرى هي التي يجب عليها أن تخلق استمرارنا وتقدّمنا وإيماننا بمخطّطات التنمية التي بنت وتبني دراساتها على الطاقة البشرية، حيث إنها صادقة في رؤيتها عندما فعّلت اهتمامها بطاقة الإنسان في كل مجال وركّزت على الاستثمار في كل ما يقدّمه الإنسان من مجهود للخلق والابتكار والإنجاز والاستثمار في الفن.