«لو قيل لنا كلمة حلوة ستفلس الصيدليات وستغلق المحاكم أبوابها»، هكذا قالت رفيقتي جمانة المطيري الصحفية العكاظية البارعة في حديث واتسابي حول رد وصلني من شخص عربي، كان الرد عن تعزية بعثتها له، ولشدة تهذيب رده شعرت بأنه هو من قدم لي التعزية! أخبرت جمانة أن عذوبة الكلام ليست «كذبة» أو «دعابة»، العبارات التي يتداولونها صدقا مؤثرة وعميقة فيها بعد الاحترام والتقدير والأناقة، وفيها أيضا بعد «الشغف والغنج والدلال»، هذه الثلاثية المحظورة بالتأكيد في حواراتنا الجافة الصلفة التي إن تضمنت شكرا أو دعاء قد تحمل على محامل غير حميدة، خاصة إن كانت بين الجنسين في حواراتنا! ربما هذه اللغة المترفة المليئة بالمعاني والحنان هي ما نفتقده، وقبل أن أستطرد، أستذكر أشد عبارات المقاومة للكلام حينما نقول «الأقوال لا تهم المهم الأفعال» وبالشعبي «ولا الحكي كل يقوله»، فنحن نقاوم فكرة (الكلام) نقاوم فكرة السرد وقصة الحياة لهذا نغرق في (عجقة) الضجر وتبقى أرواحنا شاحبة.

نظريا، يقول مات ميبري المتخصص في إستراتيجيات الأداء المتميز «كلماتك لها أثر لذا فكر قبل أن تتحدث»، تحدث عن خطورة الكلمات التي تصدر من القادة، وأن كلمة واحدة قد تجعلك ترتفع وكلمة أخرى قد تجعلك تفشل، دراسة علمية قالت «الكلمات الإيجابية قد تغير دماغك» أجراها الدكتور اندرو نيوبيرق في جامعة توماس جيفرسون وأصدروها في كتاب بنفس العنوان، أهم ما تطرقوا له أننا يمكننا إعادة هيكلة العمليات العقلية من خلال الكلام الطيب والحب، بل شرحوا أيضا تأثير الكلام الطيب على نشاط الدماغ وتحفز المراكز اللغوية، بالتالي يتغير تصورك عن نفسك ويتغير تصورك عن الأشخاص وهكذا تصبح استجابتك مختلفة ومشاعرك واعية. بعبارة أخرى، القادة الأذكياء مهم أن يمتلكوا مهارات لغوية عالية لتحفيز أتباعهم للحصول على أداء متميز، وهذا يعيدنا للمربع الأول أن القيادة مهارة وسلوك وعلم رصين وليست هرطقات.

عملياً وبوضوح، أجد أن جمانة أبدعت في عبارتها العفوية والمباشرة، فلو أشعنا فكرة «الكلمة الحلوة» وأضفنا الكثير من العبارات اللذيذة مثل «من فضلك، إذا تكرمت، لا هنت، بعد إذنك، رأيك يهمني ومحل تقدير»، وعززنا قيمة الكلمة داخل المنزل وخارجه وبين الأهل وأطفالهم والجميع، لما وصلنا لمراحل متقدمة من سوء الظن وتفسير كلمات بسيطة مثل (شكرا) بأنها (تحرش) أو (غزل)! الإفلاس اللفظي يعكس الإفلاس الأخلاقي بشكل أو بآخر، نعم هناك «أزمة لغوية» وحتى نعالجها علينا أن نعترف بها، فبدلا من التعجب من إعجاب البعض بجنسيات معينة مهم أن نفهم أسرار نجاحهم! ونغرسها في المنظومة التعليمية والإعلامية، فلا شك أن إظهار صورة المرأة السعودية مثلا بأنها (جافة) و(عدائية) لم يأت إلا من عقول متحيزة ضد المرأة، منعت صوتها وخلقت هوية همجية وهمية لا تشبه الواقع ولا ترسم صورة عقلانية.

أخيرا، فالكلمة الطيبة أقل تكلفة وأوفر للجهد والمال، فقد تدفعك صراحتك وعنجهيتك لأن تقبع خلف أسوار السجن! أو أن تدفع غرامات أنت في غنى عنها، استمراء الشتيمة والغيبة والنميمة أمور مقززة، وتجد رواجا في ظل غياب مفاهيم ودراسات اللغة، فهل ننسى بأن الله عز وجل وصف الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة في القرآن الكريم؟ وهل ننسى حديث الرسول عليه الصلاة والسلام «الكلمة الطيبة صدقة»؟ وحديث «اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة»، تأملوا كلماتكم جيدا و(قولوا للناس حسنا).