الحقوق الرياضية، وممرات الطيران الجوية، ووسائل الإعلام و«السوشيال ميديا» وغيرها من الموضوعات التي شغلت قطر العالمَ بها، تقاتل على جبهاتها في «الإيكادو» منظمة الطيران المدني الدولية، و«الإياتا»، و«الفيفا» الدولية، واتحاد «آسيان» القاري لكرة القدم، واتحاد الإذاعات «الإسبو»، حتى منظمة «أوبك»، وبعد فشل احتجاجاتها أعلنت انسحابها!
ومنذ عام 2018 وهي تلاحق شكوى قدّمتها إلى منظمة التجارة العالمية ضد المملكة العربية السعودية حول حقوق البثّ الرياضي. هيئة المحكمين أصدرت جملة أحكام في تقرير من 125 صفحة، اعتبره وزير قطري انتصاراً مدوياً لهم بعد هذه الرحلة الطويلة من التقاضي.
وقد ضيعتُ وقتاً طويلاً أبحث في التقرير عن الانتصار المدوي. أهم ما في التقرير أنه يعتبر إقدام السعودية على حظر البثّ التلفزيوني القطري حقاً لها، ضمن اعتباراتها الأمنية والسياسية عندما قطعت علاقاتها معها. هذا أهم ما ورد فيه، إضافة إلى أنه رفض تهمة القرصنة، أما بقية الدعاوى الأخرى فدعاوى فرعية، مثل ملاحقة القرصنة أو التداعي المحلي. أهم انتصار لقطر، كما تقول، عدم ملاحقة السعودية ممارسي القرصنة بما يكفي. وقامت براهينه على بضع تغريدات في «تويتر»، و7 مقاهٍ ومحل عام في جدة، يقال إن رواد المقاهي كانوا يتفرجون على «بي أوت كيو»، ذات المحتوى المقرصن! يا لها من تهمة خطيرة، في وقت كانت فيه مقاهٍ في لندن وباريس مليئة ببثّ المحتوى المسروق من المحطات المشفرة! وهنا طلبت لجنة التحكيم بإنفاذ القانون، بمنع مشاهدة المحتوى المقرصن، وهي توصية تناسبنا جميعاً، لأن معظم ما يبثّ ويكتب من أعمالنا وأقلامنا وأفلامنا مسروق، يُقرأ ويُشاهد مجاناً في دول المنطقة، وليس فقط مباريات ريال مدريد وبرشلونة. وحتى ننفذ القانون ضد القرصنة سنحتاج إلى جيوش من الشرطة لملاحقة المخالفين في كل هذه الدول.
على أي حال، الانتصار المدوي أن قضاة لجنة منظمة التجارة العالمية اعتبروا أن للسعودية أن تحظر ما تعتبره مضراً بأمنها، هذا حق سيادي. وهو حكم تاريخي، لأنه يهم كثيراً من دول العالم، التي تتجادل اليوم حول المنصات الاجتماعية والإعلامية، مثل «فيسبوك» و«إنستغرام» و«نتفليكس». الأسوأ لقطر أنها لم تحصل على دولار واحد من المليار دولار الذي كانت تطالب به!
النصف الثاني من قصة «بي إن سبورت» مجهول، فالمعروف أنها تشتكي من أن محتواها تتم قرصنته. المجهول أنها هي تقرصن حقوق الدول التي تبثّ عليها. قطر عندما اشترت شركة «بي إن سبورت» وتخلصت من اسم «الجزيرة الرياضية» سيئ السمعة، عملياً سطت على سلطة 18 دولة عربية؛ حيث اشترت بدون إذنهم حقوق البثّ في سماواتهم. وقّعت مع الاتحادات الرياضية الأوروبية بدون أن تحصل على ترخيص من الدول المستهدفة بالاشتراكات في البثّ، استولت على فضاء واسع من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، ربما باستثناء مصر التي كانت قد وقّعت اتفاقاً مع شركة هناك على إعادة البثّ بمقابل مادي. وقد سكتت الاتحادات الرياضية الإنجليزية والإسبانية وغيرها، التي باعت الحقوق، لأن الثمن أكبر من توقعاتها. لكن في أوروبا، لا تستطيع «بي إن سبورت» القطرية أن تفعل الشيء نفسه؛ مثلاً، أن تبثّ في ألمانيا أو إيطاليا، على الرغم من أنها تجاور فرنسا، لأن هناك شركات بثّ تملك الحقوق، ففي بريطانيا هناك «سكاي سبورت» و«بي تي» وغيرها.
السلطات الرياضية والحكومية في 18 دولة عربية لم ترخص لقطر بالتوقيع عنها، سواء لعقود البثّ أو حقوق الإعلانات التجارية. هذه هي السرقة التي يفترض أن تطرح للمساءلة، وليست ملاحقة المقاهي المخالفة.
وحتى تستولي على حقوق هذه الدول وقّعت عقوداً مبالغاً فيها مالياً أفسدت سوق المنافسة في المشاهدة التلفزيونية، وحرمت المؤسسات الرياضية العربية من المنافسة. والدليل أن الأرقام المالية للعقود لا تتناسب مع السوق العربية، من حيث مداخيل الإعلان والاشتراكات، ما يعزز الظنون أنها جزء من عمل سياسي لا يمت للرياضة الحقة بصلة.