بـ“قانون قيصر” أو من دونه، لا مستقبل للنظام السوري الذي على رأسه بشّار الأسد. هذا عائد بكلّ بساطة إلى لا مهمّة لبشّار الأسد سوى استكمال تفتيت سوريا. هل في لبنان من يعي ذلك ويعي في الوقت ذاته كيفية حماية البلد… أم أنّ هناك سباقا بين مكونات السلطة التي قامت قبل ثلاث سنوات ونصف سنة، أي منذ انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية، على كيفية تحويل لبنان إلى جزء لا يتجزّأ من الكارثة السورية؟
من الواضح، أن لبنان مصرّ على ربط نفسه بـ”قانون قيصر”. هذا ما يمكن فهمه من الخطاب الأخير لحسن نصرالله الأمين العام لـ”حزب الله” الذي شدّد فيه على رفض نزع سلاح الحزب من جهة والتأكيد أن ما يسمّى “حلف الممانعة” لن يسمح بسقوط النظام السوري.
ما فات نصرالله أن أهم ما في “قانون قيصر” الذي دخل حيّز التنفيذ الأربعاء (17-06-2020)، أن لا إعمار لسوريا ما دام بشّار الأسد في السلطة. هذا يؤكّد، بكلّ بساطة، أنّ على بشّار الأسد الرحيل عاجلا أم آجلا. مطلوب أميركيا رحيل الأسد. لذلك ترافق دخول “قانون قيصر” حيّز التنفيذ عقوبات جديدة على بشّار الأسد وعلى زوجته أسماء وعلى أقربائه وعلى شخصيات سورية أخرى. ذهب الأميركيون إلى أبعد حدود في البحث عن الشخصيات السورية التي لديها ارتباطات مباشرة بالنظام.
لكنّ السؤال الذي سيظلّ يطرح نفسه هل تهمّ سوريا بشّار الأسد، أم أن همّه محصور بالبقاء في السلطة وإظهار أنّ في استطاعته تعميم مأساة مجزرة حماة في العام 1982، أيّام والده وعمّه رفعت، لتشمل كلّ الأراضي السورية؟
من الواضح أنّ حماة تظلّ المثل الأعلى لرئيس النظام السوري. فمن مجزرة حماة، بدأ والده حافظ الأسد عهدا جديدا وحصل على تجديد للبيعة أمنته الدماء البريئة وغير البريئة التي سالت في المدينة المستباحة التي هُجّر قسم كبير من أهلها وشرّدوا بوحشية وحقد.
في عهد بشّار الأسد، صارت كلّ المدن السوريّة حماة. صارت كلّ مدينة مستباحة تحت شعار “الأسد أو نحرق البلد”، الذي تحوّل إلى عنوان لكتاب معروف يعتبر من أفضل ما وضع عن مرحلة الثورة. هذا الكتاب لصحافي أميركي من أصل لبناني هو سام داغر، عرف كيف يشرّح النظام السوري بدقّة ليس بعدها دقّة.
لا تستطيع أيّ دولة في العالم، بما في ذلك الصين وروسيا، تحمّل عقوبات أميركية على شركاتها في حال دخلت في أيّ تعاملات من أيّ نوع مع النظام السوري. إذا كان من درس لبناني يمكن استخلاصه من “قانون قيصر”، فهذا الدرس يتمثّل في كيفية الابتعاد عن النظام السوري بدل إقحام لبنان في حرب ليست حربه وتعريضه لنار لا مصلحة له في الاقتراب منها.
إذا كانت الصين بشركاتها العملاقة لا تتحمّل تبعات “قانون قيصر” وترى نفسها مجبرة على التقيّد به، فكيف الأمر بلبنان؟ سيقول كثيرون إن سوريا رئة لبنان وإنّ لا خيارات أخرى أمامه. هذا تهرّب من تحمّل المسؤولية من جهة ودليل عجز عن استيعاب ما يدور في المنطقة والعالم من جهة أخرى.
من الصعب على بشّار الأسد الاقتناع بأنّ عليه الرحيل. لا يمتلك الرجل القدرة على القيام بعملية نقد للذات. وحدهم الأذكياء يمتلكون مثل هذه القدرة التي تكشف أنّ لديهم مستوى معيّنا من الذكاء. هل ما ينطبق على بشّار ينطبق أيضا على المجموعة السياسية التي تتحكّم بالمصير اللبناني هذه الأيّام؟
أن تعرف كيف تخسر في السياسة أهمّ بكثير من أن تعرف كيف تربح. من يعرف كيف يخسر يمكن أن يربح يوما وأنّ يستفيد من أخطاء ارتكبها. لكنّ مشكلة بشّار الأسد ذات جوانب متعدّدة، بما في ذلك أنّه لا يعرف كيف يخسر. في مقدم هذه الجوانب عجزه عن استيعاب أنّ النظام الذي ورثه عن والده لم يعد صالحا. هناك سوريون فهموا ذلك. على رأس هؤلاء رامي مخلوف ابن خال رئيس النظام السوري وشريكه في الثروة منذ فترة طويلة. غريب العجز اللبناني عن استيعاب هذه المعادلة وعن فهم أبعاد الخلاف داخل العائلة الواحدة التي تحكم سوريا منذ 1970.
في أساس النظام الذي أسّسه حافظ الأسد، قبل أقلّ بقليل من نصف قرن، امتلاك تلك القدرة على الابتزاز. ابتزّ العرب وابتزّ الإيرانيين، قبل أن يبتزّوه، وابتزّ الأميركيين وابتزّ الأوروبيين. هناك مرحلة انتهت في المنطقة والعالم. جاء “قانون قيصر” ليؤكّد نهاية هذه المرحلة وليؤكّد أن بشّار الأسد شخص انتهى تماما مثلما انتهى صدّام حسين يوم دخل الكويت في الثاني من آب – أغسطس 1990. ما ليس مفهوما لماذا إصرار المجموعة التي تتحكّم بلبنان على إقحام نفسها في معركة خاسرة سلفا.
يمكن في طبيعة الحال فهم موقف “حزب الله”. هذا الحزب ليس سوى ميليشيا مذهبية تشكّل لواء في “الحرس الثوري الإيراني”. لا يخفي الأمين العام للحزب ذلك عندما يقول إنّه جندي في جيش “الوليّ الفقيه”. لكنّ المستغرب غياب أي قدرة لدى “التيّار الوطني الحرّ” على استيعاب البديهيات، بما في ذلك أبعاد “قانون قيصر”. لماذا لا يتذكر لبنان مرحلة مشرفة من تاريخه أي مرحلة ما قبل اتفاق القاهرة للعام 1969؟ لبنان استطاع قبل اتفاق القاهرة المحافظة على أرضه لأنه لم يشارك في حرب 1967.
الأكيد أن الطاقم الحاكم حاليا، على رأسه “حزب الله”، لا يستطيع أخذ لبنان سوى في اتجاه كارثة أخرى كارثة “قانون قيصر”. لا بدّ من معجزة تؤدي إلى تفادي الكارثة. لكنّ هذا الزمن ليس زمن المعجزات. إنّه زمن “حكومة حزب الله” في “عهد حزب الله”، زمن يجعل من الترحّم على اتفاق القاهرة احتمالا واردا.
التعليقات