إن صح تسمية الحكومة الإسرائيلية الخامسة التي شكّلها بنيامين نتانياهو وبيني جانتس من الليكود وحزب أزرق أبيض والتي يتم فيها تبادل منصب رئيس الوزراء بعد ثمانية عشر شهراً، بأحد مهامها فمن الممكن تسميتها بحكومة «الضم» أي تنفيذ ذلك البند من صفقة القرن المعلن عنها في 28 يناير الماضي، والمتعلق بضم إسرائيل للمستوطنات وغور الأردن وشمال البحر الميت للسيادة الإسرائيلية، ذلك أن هذه المهمة تعتبر مصدر شرعية هذه الحكومة والمتوافق عليها بين طرفيها قبل تشكيل هذه الحكومة وأثناء تشكيلها وبعد ظهورها إلى حيز الواقع.

في الاتفاق الائتلافي بين نتانياهو وجانتس والذي وقع في 20 أبريل الماضي ينص أحد البنود على دفع وتحقيق المسعى الإسرائيلي لضم منطقة غور الأردن وأجزاء واسعة من الضفة الغربية ووضعها تحت السيادة الإسرائيلية مع بداية يوليو عام 2020.

من حيث التوقيت في بدء تنفيذ هذه الخطة، فإن تعيين أول يوليو عام 2020 لم يأتِ من قبيل الصدفة، بل قصد منه إتاحة إنجاز هذه المهمة قبل إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي ستجرى في نوفمبر/‏‏ تشرين الثاني عام 2020، وتجنّب تداعيات خسارة ترامب في مواجهة خصمه الديمقراطي جو بايدين، بعد انكشاف إدارة ترامب في معالجة واحتواء أزمة «كورونا» وتداعياتها الصحية والاقتصادية.

حذرت العديد من التقارير الصادرة عن معاهد أبحاث إسرائيلية ومسؤولين إسرائيليين تولوا رئاسة جهاز الاستخبارات «الموساد» ومواقع حساسة في الأجهزة والمؤسسة العسكرية من اتخاذ قرار الضم، وحذرت الأغلبية منهم من مخاطر هذا القرار وتداعياته السلبية على إسرائيل، وأكد «إفرايم هليفى» رئيس الاستخبارات السابق والسفير الإسرائيلي لدى الاتحاد الأوروبي، خطورة هذه الخطوة على علاقات إسرائيل الأوروبية، حيث يعتبر الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لإسرائيل، فضلاً عن العلاقات الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية الأخرى.

ورغم أن دول الاتحاد الأوروبي تعاني من انقسامات متعددة فإن ألمانيا وفرنسا من خلال التصريحات، سوف يقومان بالرد على قرار الضم، والعديد من الدول الأوروبية ستحذو حذو فرنسا وألمانيا مثل روسيا وبلجيكا وإسبانيا وإيرلندا وإيطاليا والنرويج.

وعلى غرار هذه الانتقادات أشار أحد أساتذة الدراسات الإسلامية والشرق الأوسط في الجامعة العبرية إلى أن قرار الضم ينطوي على خمسة مخاطر يتعلق أولها بردود فعل الاتحاد الأوروبي والثاني بالسلطة الفلسطينية، واحتمال نشوب انتفاضة أخرى وحل نفسها وتداعيات ذلك، أما ثالثها فيتعلق بحماس وحزب الله والجبهة الجنوبية والشمالية، ويتعلق الرابع بردود فعل الدول العربية خاصة الأردن ومصر ودول الخليج والجامعة العربية التي اعتبرت أن الضم جريمة حرب جديدة في بيانها في 30 أبريل عام 2020، أما الخطر الخامس فيتمثل في إنهاء حل الدولتين وظهور الدولة الواحدة والتي قد تعني نهاية المشروع الصهيوني في إقامة دولة يهودية وديمقراطية بسبب السيطرة على ملايين الفلسطينيين دون منحهم الجنسية الإسرائيلية.

يرى رئيس الوزراء الإسرائيلي «نتانياهو» ورئيس الوزراء البديل بيني غانتس أن الفرصة سانحة للضم، بموافقة الولايات المتحدة الأمريكية وبضغوط الطائفة الإنجيلية الأمريكية، بيد أن نتانياهو وغانتس لا ينظران إلى الجانب الآخر من الصورة أي الأخطار والمخاطر التي ينطوي عليها هذا القرار خاصة في التوقيت الراهن أي انشغال العالم بمكافحة وباء «كورونا» صحياً وتداعياته الاقتصادية، وهي مخاطر حتى لو كان الكثير منها سيقف عند حدود الإعلان والمواقف، فإنها ستوثر على الصورة الإسرائيلية في العالم.

في مواجهة احتمال مضي إسرائيل قدماً في اتخاذ هذا القرار مع يوليو المقبل، فإن المطلوب من قبل السلطة الفلسطينية وأجهزتها والمناصرين للقضية الفلسطينية دراسة تفصيلية لمختلف المواقع والمواقف من قبل كافة المنظمات والاتحادات الدولية والإقليمية وكافة الدول وقدراتها على ترجمة مواقفها ترجمة عملية وإجرائية وعقابية ضد إسرائيل، ذلك أن معسكرات رفض الضم وقبوله واضحة من الآن، والمهم هو دفع معسكر الرفض إلى اتخاذ خطوات عملية، وتقديم بدائل ممكنة ودليل استرشادي من قبل رسم خريطة للمواقف العملية المؤثرة والقائمة على المعرفة لطبيعة القرار الإسرائيلي وحدوده.

معسكر رفض قرار الضم والذي يضم غالبية الدول والمنظمات الدولية والإقليمية التي تناصر الحق الفلسطيني ينبغي أن يسترشد بالمعادلة الإسرائيلية التي يتقرر على ضوئها قرار الضم، والتي تتلخص في أن توفر القدرة الإسرائيلية بتأييد من الولايات المتحدة الأمريكية على تنفيذ قرار الضم أياً كانت طبيعته جزئية أم كلية بسبب سيطرة إسرائيل على هذه الأراضي، لا يعني بالضرورة توفر قدرة إسرائيلية موازية على امتصاص واحتواء المواقف المحتملة لقرار الضم خاصة إذا ما اتخذت طابعاً عملياً.