استطاع الرئيس الروسى أن يؤمن لنفسه مقعداً فى رئاسة بلاده، ولعب دوراً متعاظماً فى تشكيل سياسات العالم حتى العام 2036، أى لمدة 16 عاماً مقبلة!

وفى زعماء الدول الخمس الكبار يصبح بوتين الروسى، وتشى الصينى أكثر زعيمين لهما ضمانات استمرارية فى حكم بلادهما.

ها هو بوريس جونسون البريطانى على حافة أى انتخابات مبكرة فى أى متغيرات داخلية، ويقف ماكرون على حافة بركان اقتصادى واجتماعى فى فرنسا، بينما تعيش مستشارة ألمانيا القديرة السيدة ميركل آخر أسابيعها فى الحكم بعدما أعلنت منذ أشهر عدم نيتها تجديد منصبها.

وحدهما: بوتين وتشى اللذان لديهما سند دستورى لضامنهما فى الحكم.

بوتين سيبقى حتى العام 2036 بعدما صوت 78 فى المائة من الناخبين الروس لصالح تعديلات دستورية غير مسبوقة تسمح «للرئيس فلاديمير بوتين» بالبقاء فى السلطة حتى العام 2036، وبمقتضى ذلك التعديل لن تحتسب الفترات الرئاسية لبوتين قبل ذلك وأيضاً الفترة حتى 2024.

وقد صوت 21.3٪ من الذين اقترعوا على الاستفتاء ضد هذا التعديل.

ويستمر تشى، حسب التعديل الدستورى الذى أقره الحزب الحاكم بتعديل صريح من تبدل النص الذى كان يلزم الرئيس الصينى بالحكم (دورتين محددتين إلى أن يصبح الرئيس تشى (استثناء) رئيساً مدى الحياة، نظراً لإنجازاته غير المسبوقة فى معدلات التنمية وتحقيق نهضة اقتصادية جبارة.

يجلس بوتين الآن، فى مقعد رئاسة مريح، بلا وجود سيف لوقت يضغط عليه.

ذلك الوقت المفتوح لسنوات (16 عاماً مقبلة) يجعله يتفرغ لإضعاف معارضيه فى الداخل، ولإعادة مشواره فى بناء إمبراطورية قيصرية على مستوى العالم.

يستطيع الآن، رجل الكى. جى. بى، ورجل القانون، والكاتب، والشاعر، ولاعب الجودو، والصياد الماهر، وعاشق الموسيقى، والمتمكن من خمس لغات أن يمارس دوره كرئيس، ويستمتع بكل هذه المواهب والخبرات فى مقره بمنتجع سوتشى أو بين جدران الكريملين التاريخية الفاخرة.

إنه ذلك القيصر الجديد، الذى يعيد أمجاد أسرة رومانوف، ولكن مزود بسلاح نووى، وصواريخ باليستية، وتصدر قائمة منتجى الغاز، وتأثير واضح فى سياسات العالم.

ها هى روسيا لاعب أساسى فى ملفات أوكرانيا، وسوريا، وليبيا، وكوريا الشمالية وتركيا وإيران.

وها هى روسيا مصدر لا يستهان به فى حسابات الاتحاد الأوروبى، وحلف الناتو.

وها هى تستخدم أجهزتها الأمنية فى النشاط الاستخباراتى، والعمليات الخارجية، والقدرة المتميزة فى التأثير الإلكترونى على وسائل التواصل الاجتماعى أن تخترق وتؤثر فى صناعة اتجاهات الرأى العام فى العالم.

لم تعد روسيا فى عهد بوتين هى ذلك «الدب الروسى» الثقيل البطىء الحركة، ولكن أصبح القرار الاستراتيجى واضحاً بشكل شفاف، وأصبح ليفل سرعة وكفاءة غير معتادة كما هو مطبق الآن فى سوريا وليبيا وأوكرانيا.

ويستقوى بوتين فى صمت بعلاقة «عهد مكتوب بالدم»، ملزم بشكل حديدى بينه وبين الصين.

يلعب بوتين كواجهة للرئيس تشى، وتمهد روسيا الطريق لدخول العملاق الصينى إلى صدارة العالم فى العقد المقبل.

وببراعة يمسك الرجل بخيوط علاقات مع بكين وواشنطن والاتحاد الأوروبى بمهارة فائقة وبراعة الساحر، وحرص رجل الأمن القوى.

علاقة روسيا بالولايات المتحدة وعلاقة بوتين مع ترامب هى علاقة ملتبسة للغاية.

العلاقة فيها توتر العهد الديمقراطى فى محاولة الضغط على روسيا لاتباع سياسات داخلية وخارجية، بالذات فى الشرق الآسيوى، متوافقة مع عقليتى ومصالح إدارتى كلينتون وأوباما، وهى أيضاً تعانى من تهمة ما زالت عالقة بتدخل استخبارى صريح لإسقاط هيلارى كلينتون (الديمقراطية) لصالح دونالد ترامب (الجمهورى).

لذلك ينتظر بوتين بشغف وقلق خلال الـ140 يوماً المقبلة نتائج سياسة الرئاسة الأمريكية مراهناً على دونالد ترامب.

وها هو يحاول، وبمهارة أن يضع مراكز تأثير استراتيجية فى سوريا والعراق، ويسعى إلى أن يرث إيران فى اليمن ولبنان، ويبنى على علاقات بلاده المميزة فى مصر والجزائر وكوريا الشمالية، وشرق أوروبا، وأفريقيا السوداء.

وسوف يواصل بوتين تطوير دور بلاده فى مجموعة قمة شنغهاى، كى يجعل منها القوة الأكثر تأثيراً من تحالف الاتحاد الأوروبى، الذى يعانى من شرخ عظيم بعد رحيل بريطانيا وتدهور مكانة عملة «اليورو»، وتضم هذه القمة كلاً من الصين، كازاخستان، روسيا، طاجكيستان، فيرغيرستان وأوزبكستان.

من قمة شنغهاى سوف يستكمل بوتين فى السنوات القليلة المقبلة اعتماد العملات المحلية للدول الأعضاء بدلاً من اعتماد الدولار الأمريكى.

وفى شرق البحر المتوسط سوف يحاول أن يستمر وجوده عسكرياً فى ساحل اللاذقية وطرطوس بسوريا، وبعد كيلومترات فى طرابلس، وكشريك فى التنقيب عن الغاز فى لبنان، وكمصدر توريد وتشغيل للمفاعل النووى بالضبعة وأن يكون له دور فى غاز ذلك المخزن الغازى العظيم.

وسوف ينمى بوتين مبيعات السلاح الروسى المتطور لأكثر من ثلث دول العالم، ويقدم لهم أجيالاً جديدة متطورة من أنظمة الدفاع الجوى، والطائرات المسيرة، وطرازات حديثة من السوخوى، والميج، والتشينوك، والغواصات، والأقمار الصناعية العسكرية.

إن أفضل تعريف لعقلية بوتين ومنهج تفكيره هو ما قاله لى جنرال روسى متقاعد يعرف جيداً بعضاً من صفاته الشخصية: «إنه تاجر ماهر يلعب فى ساحة السياسة، وهو سياسى شرس يستخدم نفوذه فى إبرام صفقاته التجارية».

الزمن الآتى، هو زمن روسيا برعاية صينية.

استعدوا للتعامل مع قيصر الكريملين الذى يحلم أن يكون «قيصر العالم الجديد».