ماذا يريد رجب طيب أردوغان من وجوده العسكرى فى ليبيا؟

إذا عرفنا الأهداف الحقيقية للرجل لاستطعنا أن نعرف حدود وشكل وأهداف حركته السياسية المقبلة، واتجاه عملياته العسكرية المقبلة؟

إذا عرفنا ذلك، وصلنا إلى يقين راسخ فى إجابة واضحة على موقفه النهائى من احترام أو خرق خط «سرت - الجفرة»، الذى حدده الرئيس السيسى.

إذا عرفنا ذلك، عرفنا هل نحن ذاهبون إلى حرب أو تفاوض، وإذا كانت حرباً، فهل هى حرب شاملة أم محدودة؟ حرب مباشرة أم بالوكالة؟ تقليدية أم ضربات نوعية تعتمد على وسائل وأسلحة فائقة التطور؟

فى الحروب الآن، فإن أهداف الحرب، ونوعية مسرح القتال، والمحيط الإقليمى، والموقف الدولى وأخيراً وليس آخراً نوعية التسليح المستخدم من الأطراف المتحاربة، تحدد شكل، وزمن، وتكاليف الحرب.

من هنا علينا أن ننطلق إلى ضرورة التوصيف الدقيق للصراع الحالى فى ليبيا.

بدأ الصراع بسقوط نظام قمعى قبلى، وتطور إلى صراع جهوى مناطقى بين الشرق والغرب فى البلاد.

ولأن الشرق يحمل الهلال النفطى، ولأن الغرب يحمل مناطق التصدير والبنك المركزى تم تقاسم السلطة والدخل.

ولأن ليبيا هى دولة ذات مخزون نفطى، وتعد بتريليونات من الأقدام من خزان الغاز الممتد من شرق المتوسط حتى سواحلها، فإن صراع شركات النفط: (إينى الإيطالية، توتال الفرنسية، إكسون موبيل الأمريكية، روسنفت الروسية) قد تمت ترجمته إلى مصالح مباشرة فى الصراع.

ولأن صراع الشرق هو بين مؤسسة عسكرية نظامية تعتمد مشروعاً سياسياً علمانياً فى مقابل ميليشيات عسكرية تعتمد مناهج الإرهاب التكفيرى (داعش - القاعدة - الإخوان - الجماعة الليبية المقاتلة - الجهادية السلفية)، فإن الصراع جذب صراعات إقليمية.

هنا كان التدخل التركى القطرى لدعم الإرهاب التكفيرى الميليشيوى فى ليبيا، ما استدعى مواجهة مضادة من مصر والإمارات وفرنسا وروسيا التى تخوض معارك ضد مخاطر الإرهاب الدينى.

هنا تصبح تلك الأهداف لدى «أردوغان» كالآتى:

1 - تحقيق حلم إعادة تركيا القوية من منطلق إعادة الخلافة العثمانية فى الشرق وتأمين ذلك عسكرياً لإعلان قيام كيان جديد بعد مرور مائة سنة على معاهدة «لوزان» التى حجمت الإمبراطورية التركية عام 1923.

2 - دخول تركيا استراتيجياً على منفذ عربى على المتوسط، للتأثير على سيادته والتحكم فى جغرافيته للاستيلاء على ثرواته من النفط والغاز ومغانم إعادة الإعمار.

ويذكر أن تركيا دولة تستورد 94٪ من النفط والغاز، وبلا موارد طبيعية من مصادر الطاقة، وبلا أى مخزون من الغاز قبالة سواحلها.

3 - التغيير بالقوة المسلحة، وبالإرغام السياسى لقواعد ترسيم الحدود البحرية طبقاً لمعاهدة البحار الدولية وتحول تركيا إلى دولة تدعى حقوقاً كاذبة فى سواحل ليبيا الواعدة بالغاز.

4 - دعم مشروع الميليشيات الدينية ضد مبدأ الجيش الوطنى النظامى.

5 - الإمساك بورقة ضغط استراتيجية على «مصر 30 يونيو 2013»، بهدف إرهاق نظامها واقتصادها من خلال فرض تركيا -بالقوة المسلحة- حالة جوار مصطنع وحدود غربية ملاصقة لمصر.

6 - ذلك كله يجب أن يفضى إلى الهدف الاستراتيجى الكبير وهو «خلق وضع مفروض بالقوة المسلحة يدخل تركيا شريكاً فى ثروات ليبيا وغاز ونفط ومصالح المتوسط لابتزاز العرب ودول الاتحاد الأوروبى».

إن «أردوغان» الذى تعهد أن يكون مصدر الإزعاج والتمرد والشراسة على الغرب وشرق المتوسط يسعى إلى خلق معادلة تقوم على احتمالين:

1 - أن يستمر فى توسعه فى تحقيق حلم الخلافة من الموصل إلى إدلب ومن قبرص التركية إلى طرابلس الليبية ومن الدوحة القطرية إلى أطراف صنعاء اليمنية، ومن الصومال إلى مدغشقر.

2 - إن لم يتمكن من الاستمرار فى المشروع الأول، فإنه يسعى للجلوس على مائدة مفاوضات مع الأطراف المعنية لإسكاته وترضيته بإعطائه حصة مصالح من الغاز، والنفط، ومشروعات إعادة التعمير، ومقاولات تهجير وإسكان وإعادة تأهيل نازحين ومهاجرين ولاجئين.

وما يفعله «أردوغان» من مغامرات شريرة وعمليات قرصنة بحرية واختطاف لسيادة دول ليس غريباً على بلاده تاريخياً أو غريباً على العالم.

عرف تاريخ الحروب أن الإمبراطوريات والممالك المأزومة مالياً إلى حد يؤثر على استقرارها السياسى الداخلى تلجأ إلى ما يعرف بـ«الحروب الاقتصادية» من أجل «تأمين موارد طبيعية» ليست متوافرة داخل حدودها، وذلك عن طريق الاستيلاء عليها بالقوة المسلحة.

واستغلت الخلافة العثمانية موارد ولاياتها الـ29 لمدة 400 سنة لزيادة مداخيلها وتحقيق حياة البذخ والرفاهية لسلاطين آل عثمان وأبنائهم وأحفادهم.

ولفهم طبيعة حرب الموارد التى يخوضها «أردوغان» ويورط فيها مؤسسته العسكرية وشعبه الصبور يمكن الرجوع لدراسة بالغة الأهمية -لم نهتم بها كالعادة- صادرة عن مركز دراسات «موشيه ديان» الإسرائيلى صدرت فى 17 ديسمبر 2016 حذر فيها باحثو المركز من سعى رجب طيب أردوغان إلى اتخاذ سياسة تسليح أكثر استقلالاً عن حلف الناتو من أجل تحويل تركيا إلى لاعب إقليمى بارز يمارس سياسة مستقلة عن الحلف وأنه فى حالة استمراره فى هذا المشروع التسليحى المستقل، فإنه سيكون خارج سيطرة الحلف الذى سيقف عاجزاً عن إلزامه بسياسات الحلف أو توجيه أى «عقوبات رادعة» تجاهه.

خلاصة القول: يستخدم «أردوغان» القوة المسلحة فى زمن اضطراب للنظام الدولى، وتعرّض التوازن الدولى لحالة انتقال من أحادية القوى إلى تعددية الأقطاب، فى زمن مأزوم اقتصادياً، مضطرب مادياً، منشغل داخلياً لخلق حالة «مخاطر وأوراق مقايضة يسعى لتحصيل فواتير باهظة عليها».

إن «أردوغان» الذى يعانى من عدم استقرار داخلى، وهبوط تاريخى لعملته الوطنية مقابل الدولار، وارتفاع كبير فى معدلات التضخم والبطالة، وانشقاق حاد داخل حزبه الحاكم، وتقدم صريح لمعارضيه فى الانتخابات البلدية الأخيرة يسعى لإطفاء حرائق الداخل بمكاسب من عمليات القرصنة والسطو فى خارج الحدود.

«أردوغان» رجل مأزوم فى مشروعه الخارجى يبحث عن طوق نجاة أخير من خلال مغامرات عسكرية خارجية.

السؤال العظيم: هل تنجح حروب «أردوغان»؟

الإجابة غداً بإذن الله.