تحدث إلي مؤخراً الصديق علي حسن البدر للتواصل، وليسألني عن صديقنا أحمد البدو. ولربما لكون الاتصال كان قريبا من تاريخ 2 أغسطس، أخذنا الحديث إلى تجربتنا في الاحتلال وإلى تجولنا مع ابنتيه الصغيرتين في أسواق نشأت في فترة الاحتلال. أحدها كان في الساحة في منطقة بيان المقابلة لمنطقة مشرف. وأخذنا الحديث إلى استعادة ذكريات تجمعنا الأسبوعي في منزلي في بيان، فكنت أستضيف الأصدقاء وأتحمل مسؤولية الطبخ، وكان عليهم غسل الصحون. وأخذنا نستعيد الأسماء التي كانت معنا. واستقرت ذاكرتنا التي تحملت المعلومة لثلاثين سنة أننا كنا إضافة لي والأخ علي، فقد ضمت الأصدقاء عبدالله بوقماز، صلاح العوضي، وأحمد البدو، وناصر العسعوسي. وقبل اندلاع الحرب بحوالي الشهرين، انضم إلينا الأصدقاء فيصل العرفج وفوزي المسلم. وكان هناك إجماع بيني وبين الأخ علي أننا كنا بشكل عام مجموعة متفائلة، لكن هناك اثنان من بيننا كانا أكثر تفاؤلا، فكانا عندما يشاهدان توجه معدات عسكرية من الكويت إلى العراق، يعتقدان أن العراقيين بدؤوا الانسحاب، مع أن هذا كان مجرد تبديل للقوات. لكن حبل الذكريات لم يتوقف بعد انتهاء المكالمة، فقد كان صيف 1990 مأساويا ليس للكويتيين فقط، وإنما للعراقيين كذلك والعرب أجمعين.

قضيت الجزء الاول من صيف 1990 في مدينة ليثرهيد، وهي مدينة صغيرة جنوب لندن، وكنت أتابع أخبار التوتر بين الكويت والعراق عبر الـ«بي بي سي» والصحافة. ومازلت أذكر أنه في النصف الأول من يوليو 1990 نشرت «الديلي تليغراف» لقاء مع ممرضة بريطانية سجنت في بغداد لمعرفتها بالصحافي الإنكليزي - الإيراني الأصل – بازوفت الذي أعدمته بغداد بتهمة التجسس. وصفت الممرضة في لقائها مع الصحيفة العذاب الذي يعانيه السجناء في بغداد، وكيف أن إحدى السجينات فقدت شعرها بعد أن حكم عليها بالإعدام، لأنها سبت صدام، ثم خفف الحكم عليها.

بعد لندن، توجهت مع زوجتي وابني وابنتي الصغيرين إلى قبرص، وأقدر أني وصلت إليها حوالي منتصف يوليو لأبقى فيها ثلاثة أسابيع لأعود بعدها إلى الكويت لاستئناف عملي في شركة نقل وتجارة المواشي، ليتمكن رئيسي المباشر الأخ فيصل الخزام رئيس مجلس الإدارة من الابتداء في إجازته.

الساعة الثامنة صباحا من يوم 2 أغسطس 1990، كنت استمع إلى الـ«بي بي سي»، فسمعت من المذيع عن اندفاع الدبابات العراقية الى مدينة الكويت Iraqi tanks are rolling into Kuwait City، فلم أخبر زوجتي وانتظرت إلى أن استمعت إلى نشرة أخبار التاسعة. فكنت أتوقع أن يحصل اعتداء عراقي حدودي لابتزاز الكويت، خاصة أن المفاوضات بين المغفور له الشيخ سعد ولي العهد ونائب الرئيس العراقي قد توقفت، لكني لم أتوقع أن يصل العدوان إلى هذه الدرجة. فكيف تصل الهمجية والغدر إلى أن يغزى بلد كان قد مُنِح أميره أعلى ميدالية منذ ثلاثة أشهر! ففي شهر مايو 1990، زار الامير المغفور له الشيخ جابر الاحمد بغداد ومنحه وسام الرافدين من الدرجة الأولى في العراق. وكيف تنتهك حرمة هذا البلد الذي كان المعين الرئيسي للعراق أثناء حربه مع إيران. فكانت الموانئ الكويتية تستقبل «البضائع» العراقية من دبابات إلى سيارات وإلى قمح. وبعد ثلاثين عاما، أطرح التساؤل على نفسي بصورة دورية، وهو: لماذا حصل الغزو؟ وهل كان يمكن تجنبه؟

هناك سببان رئيسان للغزو، الأول يرجع للحالة الاقتصادية التي وجد صدام نفسه فيها بعد سنتين من انتهاء الحرب العراقية - الإيرانية، والسبب الثاني يرجع إلى شخصية صدام المتغطرسة. ففي بداية الحرب الإيرانية ــ العراقية كان لدى العراق فائض مالي يقارب 60 مليار دولار، أما جيشه فكان مكونا من حوالي 250 ألف جندي، و1500 دبابة، و150 طائرة. أما عندما انتهت الحرب العراقية - الإيرانية، فارتفع عدد الجنود العراقيين إلى المليون، وارتفع عدد الدبابات إلى 6000 دبابة، والطائرات إلى 450 طائرة. والمهم أنه أصبح لدى العراق عجز مالي بلغ 60 مليارا. وهذه الأرقام تقريبية، غرضها وصف تحول العراق من دولة غنية قبل الحرب العراقية - الإيرانية، لديها قوات وعتاد عسكري يتناسب مع تطور جيشها الذي أسس مع تأسيس الدولة العراقية عام 1921 إلى دولة مدججة بالسلاح بما يزيد على احتياجاتها. والخطر الأعظم نتج عن وجود عجز مالي عند دولة يحكمها دكتاتور. وقد ظهر هذا العجز بعد أن توقفت الكويت والسعودية عن تمويل الحرب العراقية - الإيرانية. ولا بد من الإشارة هنا الى أن صدام لم يتوقف عن بذخه وبنائه للقصور خلال فترة الحرب العراقية - الإيرانية. وكان يرى انه قادر على ابتزاز الكويت والسعودية لسنوات طويلة بعد نهاية الحرب.

اما السبب الثاني للغزو، فيرجع إلى شخصية صدام الغادرة، فقد غدر بأقرب الناس إليه، وتسلق إلى السلطة بعد أن تآمر على بعثيين أكثر خبرة وثقافة. ولديه «موهبة» كونه يستطيع أن يغدر ويقتل رفاقه من دون الشعور بتأنيب الضمير.