للحياة جوانب مضيئة وأخرى مظلمة، وجوانب إيجابية وأخرى سلبية، فمَثلاً: الوظيفة تحقق للإنسان استقرارًا ماديًا ونفسيًا ولكنها لا تغنيه.. وقد أكد ذلك رجل الأعمال المصري الأستاذ «نجيب ساويرس» إذ يقول: (الوظيفة تحميك من الفقر ولكنها لا ترفعك إلى الغنى).!

أما الآن.. فقد تحولت وتغيرت الحياة وأصبح الناس أكثر وعياً وذكاءً ويعرفون بأن الانشغال بالأعمال الحرة مثل التجارة والاستثمار والأعمال الحرة وغيرها قد تكون أفضل وسيلة لنيل الرزق والخير الوفير، فذهاب الناس كل يوم لشيء يحبونه والجهد الذي يقومون به ويصب في مصلحة جيوبهم الخاصة هذا خير لهم من وظيفة تكون محدد المهارة ومحدودة الدخل..

نعم قد يزيد هذا الدخل وينقص.. ولكن يكفي أنه عمل «حر» بمعنى أن الإنسان يملك حريته ووقته.. وهذا وحده يكفي لتفضيل الأعمال الحرة.

أما على الصعيد الشخصي، فأنا لم أشعر بالحياة والتأمل في جمالياتها إلا حينما تخلصت من قيود الوظيفة وتقاعدت مبكراً، وحرصتُ على استغلال وقتي الاستغلال الأمثل، وتعلمت فن الاستمتاع بروعة المكان ونبض الزمان، وكان أهم سبب لتركي للوظيفة هي المرونة أي التوازن بين العمل والحياة، وبين قضاء وقت مع الأصدقاء وممارسات الهوايات التي أحب مثل القراءة والكتابة والمشي، وكل هذه المرونة وتلك الإنتاجية زادت من سعادتي ورفعت معنوياتي وأحببت العمل والإبداع، ووسعت دائرة أعمالي ومعارفي.

إن مفهوم الوظيفة شامل، فالموظف قد يكون الطبيب والأستاذ والمهندس ولا يمكن أن أُقلل من شأن هؤلاء والاستغناء عن دورهم الفاعل في المجتمع، لكن إذا كان بداخلك شيء ما يجعلك تشعر بأنك ستنجح في مجالٍ ما بعيداً عن روتين الوظيفة وعبوديتها فتمسك بهذا الشعور ولا تهمله وتطفئ هذا الحماس.

يقول المفكر الأمريكي «ناعوم تشومسكي»: (أن الفروقات بين عبودية الرقيق وعبودية الموظفين بسيطة جداً إذ كان قديماً الرقيق يُباع ويُشترى، أما الآن فإن البشر يؤجرون، ولا يوجد فرق كبير بين أن تبيع نفسك وأن تؤجر نفسك).!

ويقول الفيلسوف الألماني «نيتشه»: (وكما كان الوضع دائماً ينقسم الناس إلى مجموعتين: عبيد وأحرار، ومن لا يملك ثلثي يومه لنفسه فهو عبد أيَّاً كانت وظيفته).!

حسناً ماذا بقي..؟!

بقي القول: قرار ترك الوظيفة والتخلص من عبوديتها وأسْرها يظل قراراً صعباً ومصيرياً، إذا لم تكن مخططاً التخطيط الجيد لما بعد الهروب من قفص الوظيفة والإنطلاق لحياة الحرية وجَنِي أفضل المكاسب من الأعمال الحرة، فقد صحَّ عن رافع بن خديج قال: قيل يارسول الله، أي الكسب أطيب؟! قال: (عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور).!

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم حاثًا على طلب الرزق: (التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء).

وهذه الأدلة والنصوص وغيرها ذهب بعض علماء الدين إلى أن التجارة أفضل المكاسب.

وأخيرًا.. تصوروا حين تقاعدت، كتبوا أمام اسمي «طوي قيده» حينها أدركت أنني كنت مقيدًا وحين تقاعدت «نزعت القيد»!.