قبل ثلاثين سنة انتبه العالم إلى أغنى رجل في العالم: بيل غيتس، لم يكن بيل، واسمه الحقيقي وليام، تاجراً ولد تاجر، لكنه بنى نفسه بنفسه وكون ثروته من خلال تأسيسه شركة مايكروسوفت، التي نقلت العالم من العمل التقليدي الى العمل الالكتروني مثلما نقلته من نادي الفقراء إلى نادي الأثرياء القدامى الذين تزخر بهم مجلة فوربس ولسان حاله يقول: «بيل فلوسك واشرب مايها»!
إن انتقال شخص، أي شخص، من نادي الفقراء إلى نادي الأثرياء، يزعج الفريقين، فريق الفقراء الشعبي الذي فقد أحد أعضائه، وفريق الأثرياء الحصري، الذي اخترق حصاره عضو جديد، والحسد يجمعهما.
لكن الحسد يقل ما جمع، يموت الأثرياء بحسدهم، ويزداد الثراء الجديد في العصر الجديد من دون أصول ولا رأسمال، بل أرباح تهدد بخسارة أدت إلى انهيار إمبراطوريات اقتصادية ضخمة، في الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 2008، في حين صار مارك زوكربيرغ ثالث أغنى رجل في العالم بسبب اكتساح موقع فيسبوك، هذا الموقع الذي يتندر به الكويتيون!
ولأن التاريخ يكرر نفسه، ما حصل لغيتس منذ أكثر من ثلاثين عاماً واستمر، وصل إلى العالم الثالث بعد ثلاثة عقود، الأغنياء الجدد، الذين أرادوا أن يصبحوا رؤوساً في عالم انقلب رأساً على عقب، صنعوا رؤوس أموالهم من بيع الدراريع والكب كيك وخلطات التبييض وإعلانات السناب تشات المعطرة والتطبيقات الالكترونية الغذائية والتجميلية، وهو ما لم يتقبله نادي الأغنياء القدامى ولا حتى الفقراء القدامى.
الذين اعتادوا حساب نسب الأرباح المئوية الثابتة لم يستوعبوا درس مايكروسوفت فشكوا وشككوا واشتكوا، وحتى الذين ساروا على خطى بيل غيتس لم يستوعبوا الدرس كذلك، فاستعجلوا واستعرضوا واستفزوا.
وفات الطرفان أن بيل غيتس لم يكن كويتياً، فالإنسان ابن بيئته، والبيئة التي صنعت بيل، بعد أن كان وليم، وصنعت حتى ستيڤ جوبز - في مقال سابق ذكرت أنه لو كان جوبز تربى في كنف والديه الأصليين لما صار لدينا ايفون - تختلف عن البيئة التي يعيش فيها عالمنا الثالث بأسره، ومن ضمنه نحن الذين نعتبر «الشر يعم والخير يخص»، ونرى أن «الفساد ما تشيله البعارين»، و«نشيل في نفوسنا كالبعارين» إن استحال علينا الثراء في بيئة الفساد والبيروقراطية والروتين، فـ«مع تايد بالغسيل مفيش مستحيل»، والدليل ضيوف الضياف ومضيفوهم.. هل أضيف؟