تمر السنون وهواة الموسيقى والطرب العربي الأصيل لايزالون يتذكرون المطربة نازك ويرددون ثلاثا من أغانيها الخالدة على الأقل وهي: كل دقة في قلبي، ما تقولش كنا وكان، وبقى عايز تنساني.

ونازك، التي تميزت بجمال الصوت إلى حد أن الناقد المصري كمال النجمي (توفي 1998) وصفها بـ«توأمة إسمهان» وإلى درجة أن الأستاذ محمد حسن الشجاعي (توفي 1963) رئيس قسم الموسيقى بالإذاعة المصرية إختار لها لقب «خليفة إسمهان»، ظلمت كثيرا في وطنها الأم.

تقول سيرتها الذاتية المنشورة أنها ولدت في بيروت في 14 أكتوبر 1928 إبنة لعائلة ليبية محافظة استقرت في لبنان، وأن اسمها الحقيقي هو «هبة المدقة الحسيني» وأن أول من اكتشفها هو الملحن اللبناني حليم الرومي (توفي 1983) والد المطربة ماجدة الرومي الذي قدمها في عام 1946 لإذاعة الشرق الأدنى التي كانت تبث من قبرص، وتعهدها بالرعاية وقام بتدريبها وتعليمها أصول الغناء والمقامات.

وهكذا اقتحمت نازك مجال الغناء من خلال تلك الإذاعة كمتدربة أولا ثم كمرددة ضمن الكورس المصاحب للمطربين، فحققت نجاحا لفت الإنتباه.

وفي عام 1953 انتقلت مع عائلتها إلى القاهرة بحثا عن الشهرة والنجومية، وأيضا للمشاركة في فيلم كان يستعد آنذاك لإنتاجه واخراجه الفنان محمود ذوالفقار (توفي 1970) وهو فيلم بنت الجيران. غير أن الفيلم لم ير النور لأسباب تمويلية. على أن سفر نازك إلى مصر لم يذهب سدى. إذ قدمها ذوالفقار إلى أمين حماد رئيس الإذاعة المصرية في تلك الفترة (توفي 1983) والذي قدمها بدوره إلى رئيس قسم الموسيقى بالإذاعة محمد حسن الشجاعي. أعجب الأخير بصوتها فحشد كل طاقاته ومعارفه من أجلها، الأمر الذي أثمر عن ميلاد العديد من الأغاني بصوتها من تلك التي تولى تلحينها أساطين التلحين في مصر مثل: محمد القصبجي في («هات لي نور» و«يا قلب ليتك» و«لسه يا قلبي»)، ورياض السنباطي في («أسامعي أنت حبيبي» و«خفقات قلب» و«هو ده الكلام» و«جمال الروح»)، وزكريا أحمد في («أنا الربيع يا جميلة»)، ومحمود الشريف في («رسالة حبيبي» و«صدى حلم»)، ومحود الموجي في أغنية «العش المهجور»، وعبدالعظيم محمد في («الأم» و«الدوامة» و«ثلاث نجمات»)، ومنير مراد في («أيامي القليلة معاك»)، وأحمد صدقي في («أنا والنجوم» و«كتبوا كتابك» و«سلاما يا إلهي»).

ومما لا شك فيه أن هذه الألحان، ساهمت كثيرا في ترسيخ أقدامها على ساحة الغناء العربية. ويقال إن فريد الأطرش (توفي 1974) حينما سمعها تؤدي بصوتها أغاني شقيقته إسمهان (توفيت 1944) بكى متأثرا وقرر لاحقا أن يهديها لحنا من أجمل أعماله وهو لحن «ماتقولش كنا وكان» من كلمات إسماعيل الحبروك، ثم طلب منها بعد سنوات أن تؤدي بصوتها أغنيته الجميلة «بقى عايز تنساني» من كلمات عبدالعزيز سلام.

في السينما لم تقدم نازك سوى فيلما واحد هو فيلم «كل دقة في قلبي» الذي تم انتاجه عام 1959 من إخراج أحمد ضياء الدين (توفي 1976) عن قصة أبو السعود الإبياري (توفي 1969)، حيث وقفت فيه نازك أمام الموسيقار الفذ محمد فوزي (توفي 1966) والراقصة سامية جمال (توفيت 1994). وفي هذا الفيلم غنت أغنيتها الخالدة «كل دقة في قلبي» التي لحنها لها محمد فوزي من كلمات عبدالعزيز سلام (توفي 1984). ومما قيل عن هذا الفيلم أن نازك، الجديدة وقتها في عالم التمثيل، كانت خجولة جدًا، وخصوصًا وقت نطقها لعبارات الغرام مثل «أحبك»، وهو ما تسبب في إعادة تصوير المشاهد عشرات المرات لأنها كلما كانت على وشك قول «أحبك» كانت تقول استغفر الله العظيم، وذلك رغم محاولات محمد فوزي وأحمد ضياء الدين إقناعها بأن العملية كلها تمثيل في تمثيل. ومن الجدير بالذكر أنها قدمت في هذا الفيلم دويتو مع محمد فوزي متمثلا في أغنية عن الأم بعنوان «أحن قلب في الدنيا».

بعد مشاركتها في فيلمها اليتيم هذا، وبسبب خجلها الشديد وتربيتها المحافظة، غادرت مصر عائدة إلى لبنان، حيث تعرضت هناك لضغوط نفسية ناجمة عن عدم التقدير لمكانتها وشهرتها الغنائية، ناهيك عن ألم ابتعادها عمن كانوا يقدرون موهبتها في مصر من عمالقة التلحين. وفي هذه الفترة لم تقدم سوى أغنية «سكن الليل من ألحان ملك العود فريد غصن (توفي 1985)، وهي الأغنية التي غنتها فيروز لاحقًا لكن من ألحان محمد عبدالوهاب (توفي 1991)، علاوة على دويتو مع المطرب العراقي علي رضا من ألحانه بعنوان «جيتي يا هلا بجيتك»، وأغنية «يا حلوة تحت التوتة» من ألحان السوري محمد محسن. وبسب الجحود والنكران الذي تعرضت لها في لبنان معطوفا على عدم الاستجابة لها للعمل في الإذاعة والتلفزيون اللبنانيين أصيبت بانهيار عصبي ودخلت المستشفى للعلاج، وحينما خرجت من مشفاها ارتدت الحجاب وتفرغت لأداء الابتهالات الدينية. وفي منتصف الستينات قررت المغادرة إلى وطن أجدادها في ليبيا حيث قدمت بعض الأغاني التي لم تلق رواجا مثل: ألله أكبر في الإسلام عزتنا، بعد الغلا، في غلطتك سامحتك، بعد التلاقي، وأغنية التقينا.

انتقلت نازك إلى رحاب ربها في 6 أغسطس 1983، لكن فيلمها الوحيد وأغانيها لا تزال تذكر محبي الغناء والسينما بها كواحدة من النجوم التي لم تقدر حق قدرها إلا في مصر.