تمر أميركا حاليا بواحدة من أهم المراحل في تاريخها السياسي، فانتخابات هذا العام تعتبر تاريخية، إذ تأتي في مرحلة انقسام حزبي وإيديولوجي حاد، ووسط أزمة وباء عالمي لم يشهد له العالم مثيلا منذ قرن، ولن أبالغ وأنا أقول إن هذه الانتخابات هي الأهم منذ انتخابات عام 1968، التي جاءت في خضم حرب فيتنام، وبعيد إقرار قانون الحقوق المدنية للمساواة بين السود والبيض.
وبما أنه بقي أقل من شهرين على موعد الانتخابات ، فلا مجال لارتكاب الأخطاء ، إذ هي الفترة العصيبة، التي يحرص كل فريق على استثمار كل الفرص المتاحة ، ويعكف الاستراتيجيون على رسم الخطط ، ويتم تكثيف الدعايات الانتخابية، ويتسمّر الشعب لمتابعة كل ما يجري على الساحتين السياسية والاقتصادية.
ويشير كل شيء إلى أن الجمهوريين والديمقراطيين في غاية الجهوزية للفترة المقبلة، مع تمني كل فريق أن يستجد حدث يقلب الموازين لصالحه.
وكمثال على الأحداث غير المتوقعة، والتي تساهم في خدمة أحد الفريقين، فقد تم تسريب فيديو لزعيمة الديمقراطيين ورئيسة مجلس النواب ، نانسي بيلوسي ، وهي في زيارة لصالون تجميل في إحدى مدن كاليفورنيا دون أن ترتدي كمامة، رغم أن الخدمة داخل الصالونات محظورة هذه الفترة.
وتسبب نشر الفيديو بإحراج كبير لبيلوسي، فهي التي تهاجم على الدوام دونالد ترامب، وتزعم بأنه لم يواجه الوباء كما ينبغي، ولا يرتدي كمامة ليقتدي به الشعب.
ولم يضيّع ترامب الفرصة ، فغرّد عن الحادثة، حيث نشرها الجمهوريون على أوسع نطاق.
وردا على هجوم ترامب على المرشح الديمقراطي جو بايدن واتهامه بأنه لا يخرج من قبو منزله، فقد ردّ الديمقراطيون على ذلك بزيارة قام بها بايدن لولاية ويسكونسن، التي شهدت حادثا عنصريا، وذلك ردا على زيارة قام بها ترامب لذات الولاية، وزعم الديمقراطيون أنه لم يتعامل مع الحدث العنصري كما ينبغي.
هناك شرائح حسمت أمرها مبكرا، مثل المحافظين، الذين سيصوّتون لترامب تحت أي ظرف، والليبراليون الذين سيصوتون لأي مرشح ديمقراطي، سواء كان بايدن أو غيره، وهناك ولايات محسومة سلفا، بغض النظر عن هوية المرشح مثل كاليفورنيا ونيويورك وأوريغون للديمقراطيين، ومعظم ولايات الجنوب مثل ألاباما وميسيسيبي وكنتاكي للجمهوريين، ولكن الجديد هذه المرة هو ما ذكرته التقارير، التي أشارت إلى أن ولايات جمهورية تاريخيا قد تصوّت مع الديمقراطيين هذه المرة، مثل ولاية تكساس الهامة جدا بحكم العدد الكبير لمندوبيها، وكذلك ولاية شمال كارولينا، رغم أني أستبعد أن تغيّر تكساس ولاءها الجمهوري، كما أن هناك ولايات قد تدخل في خانة الولايات المتأرجحة وتصنع فارقا هذا العام، مثل ولايات فرجينيا ونيفادا وغرب فرجينيا، ولكن تظل الولايات المتأرجحة فعليا هي الأهم، وهي الصيد الثمين، الذي سيسلّم مفتاح البيت الأبيض لأحد المرشحين.
ولايتا فلوريدا وأوهايو متأرجحتان دوما، ولطالما صنعتا فارقا في هوية الفائز في السباق الرئاسي، ويصعب على أي مرشح أن يخسر هاتين الولايتين ويفوز بالرئاسة، ولكن ومنذ الانتخابات الماضية، دخلت ثلاث ولايات على قائمة التأرجح وصنعت فارقا وزفّت ترامب إلى البيت الأبيض، وهذه الولايات هي من سيصنع الفارق هذا العام، ونتحدث هنا عن ولايات بنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن، وهي ولايات تمثل التنوع الإثني والعرقي والديني لأهم شرائح الناخبين، أي الطبقة المتوسطة، وتتركز فيها الصناعة والزراعة، كما في مصانع السيارات في ميشيغان ومزارع الألبان ومشتقاتها في ويسكونسن.
ويملك ترامب نقطة قوة بحكم أنه رجل أعمال ساهم في ازدهار الاقتصاد ، قبل أن تحلّ جائحة كورونا، ونفذّ وعده بإعادة بعض المصانع المهاجرة إلى أميركا، وإن كان بايدن ينافس بشراسة في ولاية بنسلفانيا، وهي أهم الولايات الثلاث بحكم أنها مسقط رأسه.
والمؤكد هو أن هذه الانتخابات في غاية الأهمية، ومن المبكر الحكم بنتائجها، فأي حدث قد يقلب الموازين في اللحظة الأخيرة، وقد يكون هذا الحدث متعلقا بلقاح كورونا، الذي يأمل ترامب ويبشّر بأنه سيكون جاهزا قبل موعد الانتخابات، ويأمل بايدن والديمقراطيون أن لا يحدث ذلك، فلننتظر المفاجآت مع المنتظرين!.
التعليقات