نعود لكتيب «جونتر باولي» الذي يحمل عنوان «100 سؤال في 100 صفحة» بتذييل يشرح مضمون التساؤلات «عن الموجات المغناطيسية والصحة، فشل العناية الصحية، عجائب النور، كيف ننجو معاً من الفوضى» ويقصد بالفوضى الارتباك الذي تورط فيه العالم مؤخراً والتي تجلت بانتشار الكورونا وما يتابعها من انهيارات اقتصادية تتلاحق على العالم.

تستوقفنا الأسطر التي تتصف بالإنسانية العالية والتي يكرس بها باولي كتيبه لـ «لكل أولئك الذين عانوا وسقطوا في براثن الجوع والسرطان والعنف المنزلي والحوادث والإيدز وحمى الضنك والملاريا والسل والإجهاد والإرهاق، ولم يروا نهاية للمعاناة أو لجأوا للانسحاب من الحياة في بعض الحالات. لديك الحق في أن تسأل لماذا لم يتوقف العالم ويركز عليك. نعم نحن لم نفلح في إنقاذك».

بالطبع هذا الكتاب مخصص أيضًا لآلاف الطواقم الطبية حول العالم ممن عملوا ليلًا ونهارًا، وخاطروا بحياتهم بما كان متاحًا للتخفيف من آلام المتضررين، ورافقوا الآلاف في أصعب لحظاتهم. إنهم يستحقون الاحتفال بهم كأبطال في ساحة هذا الوباء الفاتك».

وكما يؤكد باولي فإن التساؤلات والإجابات التي يحويها الكتيب لا تحوي أحكاماً مسبقة ولا تحاملات ولا مجموعات مصالح مرتبطة، ويحافظ في نفس الوقت على مصادر معلوماته من العلماء ورجال الأعمال وصانعي السياسات، ومهمته النظر في تلك الآراء، تدفعه الرغبة الصادقة والالتزام بالانتقال من التحليلات والرؤى إلى العمل، بل وينصح جونتر باولي جمهوره من طلبة الجامعات بالكف عن الركض وراء المزيد من الدرجات العلمية والاستعاضة عن ذلك بالخروج للحياة والعمل واستحداث مشروعاتهم الإبداعية الخاصة وابتكار نظرة جديدة للحياة وللمشكلات الدولية والمحلية وتقديم طروحاتهم الذاتية خارج السائد الذي يعطي انطباعاً بأنه لا أمل. وهو اقترح غالباً ما يشكل صدمة في مجتمعات تحتفي بالشهادات العلمية وتكديسها بصرف النظر عن إمكانية التطبيق للمدروس، وعن حاجة العالم للمزيد من الابتكار والأشخاص ذوي الفكر الخاص المميز القادرين على تجاوز المشكلات والطرق المسدودة في مجالات السياسة والاقتصاد ومجالات البيئة وحمايتها.

هذا ولقد انبثقت فكرة هذا الكتيب كما يقول من تقرير تم نشره من قبل نشره المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) بالتعاون مع معهد هارفارد للصحة العالمية في يناير 2019، ويتلخص في التحذير من أن احتمال تفشي الأوبئة، يقول، «مع زيادة التجارة والسفر والكثافة السكانية ونزوح البشر والهجرة المتزايدة وإزالة الغابات، فضلاً عن تغير المناخ، فلقد دخل العالم حقبة جديدة من تكثف مخاطر الأوبئة. لقد تزايد عدد الأحداث الوبائية وتنوعها على مدار الثلاثين عامًا الماضية، وهو اتجاه من المتوقع أن يزداد حدة مستقبلاً». وهو ما نراه حالياً من هذا الانتشار غير المسبوق للكورونا والعجز الدولي تجاهها، والتخبط في البحث عن وسائل للنجاة وللعثور على لقاح قد يساعد على حماية البشر. الملفت للنظر أن العالم يلهث في الحديث والتغطيات الإعلامية عن فداحة الكورونا وضرورة البحث عن لقاح إلا أن الأصوات المنادية بأهمية تعزير المناعة الذاتية التي تحصن من الفيروسات عموماً. لا أحد يلفت النظر لأهمية المناعة الذاتية وتتعلق القلوب والآمال بالعثور على مناعة خارجية متمثلة في اللقاح.

ونختم بالعبارة التي اقتبسها باولي في كتابه من الفيلسوف «كونفيشيوس confucius» «»كل شخص منا لديه حياتان: الثانية تبدأ عندما تدرك أن لديك واحدة فقط».