اختنقت عيون البشرية بدموع الفراق، وتلهبت القلوب من حسرة وداع الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، طيب الله ثراه، حيث شهدت الكويت على المستويين الرسمي والشعبي اتصالات ورسائل شتى من مختلف بلدان وشعوب العالم، لا يمكن لجزل المعاني وصفها والتعبير عنها.

لم يكن المواطن الكويتي بعيداً عن مشهد العزاء، فقد امطر أصدقاء ومحبو الكويت وشعبها صادق المواساة بفقيد الكويت والأمتين العربية والإسلامية والمجتمع الدولي، وهو ما يبرهن على عمق العلاقات، التي شيدها الأمير الراحل صباح الأحمد خلال مسيرة حافلة على مدى 65 عاماً في مختلف بقاع العالم، تاركاً بصمات دبلوماسية وسياسية، كان لها بالغ الأثر الايجابي على ساحات النزاعات والصراعات الاقليمية والدولية، فضلا عن دعم الشعوب الفقيرة ودعمها تنموياً.

ليس سهلاً إيفاء حق مسيرة خمسة وستين عاماً من العطاء الانساني والعمل الدؤوب للأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، فالمنابر الدولية والإقليمية تشهد على اهتمامه الشخصي وحضوره الاستثنائي وجولاته، فهو القائد الذي كرس حياته لدبلوماسية المصالحة والسلام والمواءمة بين الفرقاء.

خلال الساعات والأيام الأولى من العزاء، بدا الإعلام الرسمي للدولة ضعيفا بصورته ومتواضعا بمواده الإعلامية ومضطرباً تعليقاً على لحظات نقل الجثمان، من دون إعداد مهني عميق ولائق لغوياً وإعلاميا، في وداع قائد الدولة، الذي أبّنه الإعلام الدولي والعربي خير تأبين، فيما انفردت بعض وسائل الاعلام الأجنبية بمواد إعلامية ثرية، كانت فعلا بمنزلة المفاجأة لمن استمع لها، خصوصا نقل الحديث المسجل للمرحوم بإذن الله الشيخ صباح الأحمد عن حوار خاص مع المرحومة قرينته عن ابتسامته الدائمة.

حين تمعنت متحسراً على تواضع الاعلام الرسمي، استدعت الذاكرة مقترحا سبق أن ناقشته وقدمته قبل سنوات إلى المدير العام لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي عدنان شهاب الدين بصفتي مدير الجوائز العلمية والإعلام في عام 2013، حول تبني المؤسسة دعم وتمويل انتاج فيلم وثائقي عالي الجودة المهنية بالصوت والصورة للأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد وزعماء ووزراء وصحافيين ومحللين ومؤرخين في العالمين العربي والغربي، علاوة على شخصيات كويتية ممن عملت وزاملت المرحوم سمو الأمير صباح الأحمد في مراحل مختلفة من داخل الكويت، على ان تتم ترجمة العمل الوثائقي بلغات اجنبية عدة لبثه اعلامياً داخل الكويت وخارجها.

ولدت الفكرة اساساً على غرار العمل الوثائقي الرائع للملك السعودي الراحل فهد بن عبدالعزيز، الذي استحوذ على اهتمام إعلامي وسياسي عالمي واسع النطاق، مع الساعات الأولى من وفاة الملك.

كنت على ادراك ثابت بأن مقترحا كهذا سيحظى بموافقة ومباركة الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، لمعرفتي الشخصية بتقديره لأي مشروع يخدم التوثيق المهني للتاريخ، الذي هو جزء منه ومن صناع مراحل وتطورات محلية ودولية وإقليمية في غاية الاهمية السياسية.

من المفارقة الغريبة ان المدير العام لمؤسسة الكويت للتقدم العلمي جعل المقترح ذا الهدف الوطني والعالمي يموت في مهده، بالرغم من أن مؤسسة التقدم العلمي كانت تخضع لرئاسة وقيادة الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد.

إنني على قناعة راسخة ويقين لا يلين بانه ما زال هناك متسع من الوقت للقيام بهذا العمل الإعلامي الوثائقي، من دون تدخل الاعلام الرسمي، وبمباركة سامية وتوجيه شخصي من صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد الصباح، من اجل توثيق سيرة ومسيرة أخيه وقائد الوفاق والاتفاق الدولي والإقليمي، الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد طيب الله ثراه.

أرفع هذا المقترح الى المقام السامي لسمو الأمير الشيخ نواف الأحمد، فذكرى الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد ستظل خالدة في ذاكرة البشرية، ولكن من المهم أن تحتضن ذاكرة التاريخ توثيقا لسيرة ومسيرة عطرتين وحافلتين بالعطاء للأمير الراحل الشيخ صباح الاحمد، داعين الله سبحانه بالرحمة والمغفرة لفقيد الكويت وشعبها، والتوفيق والسداد لسمو الأمير الشيخ نواف الأحمد الصباح حفظه الله ورعاه.