بين الحين والآخر نسمع عن تصاعد التوتر في بحر الصين الجنوبي، ثمة تقارير تقول إنه لا يزال صراع النفوذ والهيمنة المتصاعد بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين في هذه المنطقة يلقي بظلاله على الأمن والاستقرار العالمي، لينذر بنشوب حرب عالمية ثالثة، ما لم يتم التدخل التفادي انعكاساته على السلام العالمي مستقبلاً.

بحر الصين الجنوبي هو ثاني أكبر مسطح مائي وهو جزء من المحيط الهادي، وتطل عليه الصين واندونيسيا والفلبين وفيتنام وتايوان وماليزيا وسنغافورة وبروناي، ومنه تمر حوالي ثلث تجارة العالم، أو ما قيمته 5.3 تريليون دولار سنويًا، حصة الولايات المتحدة من هذه التجارة 1.2 تريليون دولار.

بحر الصين الجنوبي كما يشير تقرير مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية يحتوي على ثروات كبيرة، وفيه جزر حيوية غنية وهناك خلافات حول استغلال هذه الجزر، فالبحر يحتوي على ما يزيد على 17 مليار طن من النفط وفقًا لدراسات صينية، بينما تقول الولايات المتحدة إن الاحتياطات المؤكدة تصل إلى 7.7 مليار طن، وبغض النظر عن الفرق الكبير بين التقريرين فإن هذه الكميات مهمة جدًا بالنسبة إلى دول تعتمد بشكل كبير على النفط والغاز، كما يعتمد ملايين الناس على هذا البحر للحصول على الاسماك سواء للتجارة أو للغذاء، وينطوي هذا على أهمية كبيرة إذا عرفنا أن ما يقارب من نصف سفن الصيد في العالم تعمل على هذا البحر، وهذا يوفر عائدات ضخمة ويشغل أيديًا عاملة كثيرة.

أهمية البحر بالنسبة للدول المطلة عليه لا تقتصر على الثروات فقط، فهو حيوي وله أهمية استراتيجية كبيرة جدًا كمعبر تجاري، خاصة مع نمو التجارة العالمية التي تمر عبره، وتمر من خلاله نسبة 80 في المئة من واردات الصين من الطاقة ونحو 40 في المئة من اجمالي تجارتها عبر هذا البحر، ما يزيد من أهمية البحر الاستراتيجية اقليميًا ودوليًا.

في هذه البقعة من العالم ثمة تنافس أمريكي - صيني، وثمة اتهامات متبادلة بين الجانبين تتعلق بعسكرة المنطقة اذ تحول بحر الصين الجنوبي إلى أكثر مناطق العالم ازدحامًا بالسفن الحربية، وهذا بالطبع يزيد من فرص التوتر القائمة هناك بشكل مستمر خاصة مع كثرة المناورات العسكرية بأحدث الاسلحة البحرية، وبرغم أن المنطقة لم تشهد صدامات مسلحة بين البلدين، فقد وقعت أحداث خطيرة عدة تنذر بصدامات مسلحة.

بعض المحللين يرون أن الولايات المتحدة الامريكية تحاول إثارة المشاكل والتدخل في الشؤون الداخلية والمسائل السيادية والمتعلقة بجمهورية الصين الشعبية بداية من هونغ كونغ والتبت وتايوان، مرورًا بالخلافات التجارية واستهداف شركات التكنولوجيا الصينية، ثم قضية بحر الصين الجنوبي التي تبدو أكثر سخونة وخطورة من المحتمل تهدد طرق التجارة العالمية والسلم والامن الدوليين.

ويعني وفق تحليل موقع «روز اليوسف» ان منطقة بحر الصين الجنوبي ورقة تستخدمها واشنطن لمساومة وابتزاز الصين لتعطيل السلام والنظام الاقليميين، بينما تصر الصين على التنمية السلمية فيها، وتدافع بحزم عن أمن سيادتها والحفاظ على السلام والاستقرار في تلك المنطقة.

وأدى مؤخرًا اختراق المدمرة الامريكية «يو إس إس موستين» التي كانت تحمل على متنها صواريخ موجهة نحو المياه الاقليمية للصين بالقرب من جزر «باراسيل» في بحر الصين الجنوبي إلى زيادة التوتر في تلك المنطقة.

طالما كان موقف الصين واقتراحها بشأن قضية بحر الصين الجنوبي ثابت وواضح، فهو يعامل دائمًا البلدان المجاورة على قدم المساواة ويحافظ على أقصى قدرة على ضبط النفس في الحفاظ على السيادة على جزر بحر الصين الجنوبي وما يتصل من حقوق ومصالح في هذه المنطقة، ووفقًا لـ«إعلان سلوك الأطراف في بحر الصين الجنوبي» الذي توصلت إليه الصين ودول الاسيان في عام 2002، تلتزم الصين بحل النزاعات المتعلقة بالسيادة ذات الصلة مباشرة من خلال المفاوضات، وهي ملتزمة بالعمل مع دول الاسيان للحفاظ على السلام والاستقرار في بحر الصين الجنوبي.

وحقق التعاون -حسب تقديرات الصين- بين الصين وبلدان الاسيان في مجالات البحث والإنقاذ البحري، وحماية البيئة البحرية، والبحث العلمي البحري وغيرها من المجالات.

في حين أن التدخل الامريكي يثير الأزمات في تلك المنطقة، وبشكل واضح على الرغم من ان الولايات المتحدة ليست طرفًا في النزاعات في بحر الصين الجنوبي، لكنها تدخلت مدفوعة بمصالحها الذاتية، ما جعلها تبذل قصارى جهدها لإثارة العواصف وتعكير مياه بحر الصين الجنوبي، وليس هناك شك -وهو ما أشار إليه التحليل سالف الذكر- وتستغل قضية بحر الصين الجنوبي لإثارة الأزمات!

بالإضافة إلى أهمية بحر الصين الجنوبي لتدفق التجارة الدولية، فإنه يمثل المنفذ الرئيس للصين إلى البحار والمحيطات المفتوحة في العالم، ومن الصعب تصور أن الصين تتحول إلى قوة عالمية رئيسة إذا تمكنت الولايات من شل حركتها وخنقها هناك، لذلك فإن صدام النفوذ في منطقة بحر الصين الجنوبي على وجه الخصوص يمثل عقدة الصراع في الوقت الحاضر بين القوتين الرئيستين في العالم، وهذا ما يفسر موقف وزير الخارجية الامريكي مايكل بومبيو في اعلان رفض بلاده تأكيد بكين سيادتها على بحر الصين الجنوبي ومحاولات واشنطن تحريض الدول المحيطة ضدها.

في مقابل ذلك، تذهب تقديرات خبراء الاستراتيجية العسكرية في الصين إلى انه في حال اختارت الولايات المتحدة مواجهة مسلحة مع الصين، فإن من المرجح هو احتمال أن يحدث ذلك حول تايوان أو في بحر الصين الجنوبي، وتذهب هذه التقديرات إلى أن أبعاد شبح حدوث مثل هذا الاحتمال يتطلب ان تستعرض الصين قدرتها على الردع العسكري، بما يجعل القيادة الامريكية في غير شك من قوة رد الفعل الصين الذي يمكن ان يسبب خسارة فادحة الولايات المتحدة، وفي هذا السياق أجرت الصين مناورات بحرية واسعة النطاق على مرحلتين في بحر الصين الجنوبي.

في الواقع فإن التنافس الامريكي - الصيني في شرق آسيا ليس مرتبطًا بالمصالح المتشابكة هناك فقط، وإنما يأتي في سياق التنافس بينهما على مستوى عالمي، فالولايات المتحدة تعتبر الصين أكبر تحدٍّ أو ربما تهديد للهيمنة الامريكية في العالم، إذ تنمو الصين اقتصاديًا بشكل متسارع، وفي الوقت نفسه تعمل على تحديث قوتها العسكرية وهي تطمح إلى تغيير موازين القوى الدولية، ولهذا تسعى إلى توسيع نفوذها في العديد من مناطق العالم خارج مجالها الحيوي شرق آسيا.