لقد أسهم التنوع الثقافي الذي تتميز به سلطنة عمان في تأسيس القدرة على المشاركة وتكوين (الحرية الثقافية) ضمن الهوية الوطنية، فبالرغم من التنوع الجغرافي والاجتماعي واللغوي، والديني ـ المذهبي، وتنوع المكون الثقافي، أسهمت السلطنة في ترسيخ هذه المكونات الثقافية ضمن أطر التنمية الثقافية، لتصبح أحد أهم المرتكزات التي تقوم عليها هويتها الوطنية منذ القدم.

إن التنوع الثقافي الذي يعكس الامتداد الحضاري لعُمان يُعد من المعطيات القديمة لتاريخها الإنساني، فعبر تغير الحقب التاريخية تعددت الأنماط الثقافية وتنوعت، بحيث ظهر التنوع الإثنو ـ ثقافي في تشكيل الكيان الوطني، ولهذا فإن تنوع المكونات الثقافية في عمان يعود إلى تنوع تلك المجموعات الفكرية الوطنية وانفتاحها على الآخر، من خلال التبادلات التجارية أو الصراعات الحضارية الممتدة، ولعل من ذلك التنوع الذي أحدثته المعطيات الحضارية والانفتاح هو التنوع اللغوي، فإلى جانب اللغة العربية الرسمية للدولة، ولهجاتها المتنوعة، توجد في سلطنة عمان لغات محلية محكية عديدة، يعود بعضها إلى اللغة العربية الجنوبية القديمة كـ«الحرسوسية» التي تنتشر في محافظة الوسطى في ولاية هيما، و«البطحرية» التي تنتشر في بادية محافظة ظفار الغربية، وفي بعض نواحي محافظة الوسطى، و«الشحرية - الجبالية» المنتشرة في أغلب محافظة ظفار، و«المهرية» التي توجد في بلدان عدة بسبب الارتحال قديماً، إلا أن مركزها في محافظة المهرة في الجمهورية اليمنية، وتعتبر المهرية في عمان امتداداً لها، حيث تنتشر في بادية محافظة ظفار الغربية، أما «الهُبيوتية» فتنتشر في المناطق الحدودية الواقعة بين سلطنة عمان من جهة الغرب، والجمهورية اليمنية من جهة الشرق، وهي من اللغات المهددة بالانقراض بسبب تحول أغلب الناطقين بها إلى اللغة المهرية.

بالإضافة إلى اللغات الإفريقية كـ«السواحلية» واللغات الهندو-أوروبية مثل «الكمزارية» التي سميت نسبة لقرية «كمزار» في محافظة مسندم في أقصى شمال عمان التي تنتشر فيها هذه اللغة، والتي يُتحدث بها في إيران، وفي أجزاء من دولة الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى «البلوشية» و«اللواتية» و«الزدجالية» وغيرها.

إن هذا التنوع اللغوي يُعد ثراء، ليس على مستوى اللغة ومفرداتها وحسب، بل أيضاً على المستوى المعرفي، فعلى الرغم من أنها خاصة بمناطق جغرافية معينة في السلطنة أو بفئة إثنية ما، إلا أنها إحدى السمات العامة التي تؤسس الهوية الوطنية للسلطنة، وتكشف العمق الحضاري الذي تتأسس عليه.